حياتكم كنز لا يتكرر، فلا تقامروا بها !
لم يمض كثير من الوقت على بداية الخروج من ذلك النفق المظلم الذي فرضه تفشي فيروس كورونا المستجد، وبعد أن تنفس المغاربة الصعداء وعاد الشعور بالسكينة والطمأنينة إلى قلوبهم، فور إعلان السلطات العمومية عن الرفع التدريجي لتلك القيود المرتبطة بجائحة “كوفيد -19″، من خلال ما أقدمت عليه من إجراءات، تتمثل في تقليص توقيت سريان حظر التجول الليلي، فتح المزيد من المساجد، السماح لأرباب المقاهي والمطاعم بالاستمرار في العمل إلى حدود الحادية عشرة ليلا، الترخيص بإقامة الحفلات والتجمعات وإعادة فتح الحدود البرية والبحرية أمام مغاربة العالم بأسعار تفضيلية وغيرها من التدابير الأخرى، جراء تقدم الحملة الوطنية للتلقيح ضد الفيروس التاجي، وتراجع عدد الإصابات والوفيات بشكل ملحوظ.
حتى عاد التوجس والقلق من حدوث الكارثة ليشغل بال الرأي العام الوطني من جديد، بسبب ما بات يطبع الحياة العامة من فتور جماعي واضح وغير مسبوق، ليس فقط في صفوف المواطنات والمواطنين، بل حتى في أوساط السلطات المعنية بحفظ الأمن الصحي في الفضاءات العامة، التي وقفت تتفرج من بعيد على ما يجري من استهتار الكثيرين بتطبيق التدابير الاحترازية وتعريض حياتهم وحياة الآخرين من حولهم للخطر، في البيت والشارع والمقاهي والمطاعم والأسواق ووسائل النقل ومقرات العمل…
ذلك أنه ساد لديهم اعتقاد واهم بأن البلاد أصبحت في مأمن وتخطت كل المخاطر التي كانت محدقة بها، بعد أن استطاعت الجهات المسؤولة بقيادة ملك البلاد محمد السادس التصدي للجائحة منذ ظهورها، باتخاذ كافة الإجراءات الرامية إلى الحد من انتشارها والحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، وحسن تدبير تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية. والحال أننا وبفعل تقاعسنا ولامبالاتنا لم نعمل سوى على الإسهام في ارتفاع منحى الوضعية الوبائية، خاصة بعد ظهور نسخ جديدة للفيروس من قبيل “دلتا” التي تتميز عن السلالة الأصلية بسرعة الانتشار وانتقال العدوى إلى أكبر عدد ممكن. حيث انتقل عدد الإصابات في ظرف أسبوعين فقط من بعض مئات إصابة إلى أزيد من ألف حالة في اليوم الواحد، ومازالت الحالة الوبائية مرشحة للمزيد من التفاقم، خاصة أننا دخلنا مرحلة العطلة الصيفية التي تكثر فيها الأسفار والاصطياف ومقبلون أيضا على الاحتفال بعيد الأضحى المبارك في غضون بضعة أيام…
وفي هذا الإطار، وبناء على ما تم تسجيله خلال هذه الأيام من قبل المنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي، من تزايد في عدد حالات الإصابة الإيجابية الجديدة بالفيروس التاجي وعدد الحالات الحرجة وعدد الوفيات التي عادت للتكاثر، سارعت وزارة الصحة مشكورة في أكثر من مرة إلى إصدار بيانات تنبه بواسطتها المواطنات والمواطنين إلى ضرورة التحلي باليقظة وتوخي الحيطة والحذر، مؤكدة على أن التخفيف من إجراءات الحجر الصحي التي كان معمولا بها من قبل، لا يعني البتة عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي. مشددة على وجوب انخراط الجميع مواطنين وسلطات أمنية ومحلية في مواجهة الوباء بما يلزم من حزم ومسؤولية وروح وطنية، في انتظار أن تتحقق المناعة الجماعية المنشودة، والخروج ببلادنا إلى دائرة السلامة والأمان.
من هذا المنطلق وحفاظا على أرواحنا وكل الناس الأبرياء حولنا من عدوى هذه الجائحة الفتاكة، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يبديه عدد من الخبراء في مجال الطب والفيروسات من تخوفات، وتحذيرات من إمكانية تفاقم الوضع الوبائي ببلادنا، وإلحاحهم الشديد على عدم تفويت فرصة الاستفادة من التلقيح المضاد لها، الالتزام بكافة الإجراءات الوقائية والحاجزية، التي لا تتطلب إلا قليلا من الوعي بخطورة الوباء والكثير من الإرادة في محاربته، بوضع أقنعة واقية صالحة للاستعمال وبشكل سليم، احترام مسافة التباعد الجسدي الموصى بها، تجنب التجمعات غير الضرورية وفي الأماكن الضيقة والحرص الدائم على النظافة وتعقيم اليدين، تفاديا لتدهور الوضعية الوبائية ولأي انتكاسة محتملة من شأنها الضغط على أقسام الإنعاش بالمستشفيات العمومية والمصحات الخاصة، والعصف بكل المجهودات المبذولة والمكتسبات المتراكمة، والعودة بالبلاد -لا قدر الله- إلى الحجر الصحي الشامل مع ما قد يترتب عن ذلك من كلفة اجتماعية واقتصادية باهظة.
إننا اليوم وفي ظل ما قطعته بلادنا من أشواط متقدمة في معركتها الضارية ضد داء “كوفيد-19″، وما حققته من مكاسب ثمينة في حسن إدارتها، أدت إلى نيل الإعجاب والإشادة بها داخليا وخارجيا إلى حد اعتبار الأداء المغربي نموذجا يحتذى، من حيث إحداث صندوق خاص بمواجهة تداعيات كورونا، إنشاء وحدات طبية سريعة لرفع الضغط عن المستشفيات والمراكز الطبية المتوفرة، صناعة الكمامات والملابس الواقية وأجهزة التنفس الاصطناعي. ثم إطلاق الحملة الوطنية للتلقيح بالمجان لفائدة الساكنة فوق 17 سنة من المغاربة والمقيمين الأجانب، التي ما انفكت دائرتها تتوسع حسب المتوفر من الجرعات، لتشمل حاليا فئة الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 35 و39 سنة. فضلا عن توقيع اتفاقيات تخص مشروعا ضخما لتصنيع وتعبئة لقاح مضاد للفيروس ولقاحات أخرى، سيمكن من إنتاج 5 ملايين جرعة شهريا في المدى القريب، على أن تتضاعف تدريجيا. لم يعد مسموحا لنا جميعا كل من زاويته مواطنين بمن فيهم حتى الملقحين، وسائل إعلام، سلطات أمنية، أرباب المطاعم والمقاهي والقائمين على المساجد ووسائل النقل وغيرهم، بالتراخي والاستخفاف بالتدابير الصحية اللازمة، لاسيما أن الفيروس بسلالات أخرى أكثر شراسة وفتكا مازال يعيش معنا وبيننا.
اسماعيل الحلوتي