حمى الانتخابات وعربدة كورونا
اسماعيل الحلوتي
وسط حالة من القلق والفزع بفعل ظهور طفرات جديدة من فيروس كورونا المستجد، وعلى رأسها متحور “دلتا” السريع الانتشار، الشديد الخطورة والصعب الاحتواء، وما ترتب عن عربدته من تزايد متواصل في عدد المصابين والحالات الحرجة والوفيات. تجري هذه الأيام عمليات إحمائية لخوض معركة الانتخابات الجماعية والتشريعية المقررة في 8 شتنبر 2021. والتي لم يعد يفصلنا عن موعدها سوى أسابيع بعدد أصابع اليد، حيث سيتنافس أزيد من عشرين حزبا على أصوات حوالي 15 مليون من المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة.
وهي استحقاقات يراهن الكثيرون على أن تشكل منعطفا حاسما في تكريس الخيار الديمقراطي، من خلال فرز نخب جديدة بإمكانها تحقيق ما لم تستطعه المجالس الجماعية السابقة والحكومات المتعاقبة، لاسيما أن بلادنا مقبلة على تنزيل مشروعين ضخمين تحت إشراف ملك البلاد محمد السادس، وهما: النموذج التنموي الجديد الذي وضع له عام 2035 كأفق لتحقيق جملة من الأهداف لتطوير الاقتصاد الوطني والاهتمام بالرأس المال البشري، تفعيل الحكامة الجيدة في الأداء الإداري، رقمنة الخدمات وغيرها. وتعميم الحماية الاجتماعية الذي يعد “ثورة اجتماعية حقيقية”، من شأنه بناء مجتمع أكثر تماسكا وتضامنا وأقل طبقية وتفاوتا، إعادة الأمل والثقة إلى المجتمع، حفظ كرامة المواطن وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، باعتباره مشروعا مجتمعيا يسعى إلى الاستثمار في المستقبل واستقطاب الاقتصاد غير المهيكل وإدماجه في الاقتصاد الوطني.
بيد أنه وفي ظل وجود كل ذلك الكم الهائل من الأحزاب السياسية التي لا يستفيق معظمها من بياته الشتوي إلا خلال المواسم الانتخابية، فإن الصراع على رئاسة الجماعات والمجالس وقيادة الحكومة سيظل منحصرا فقط في دائرة ضيقة بين بضعة أحزاب سياسية، لن تتجاوز في الغالب الأعم ثمانية، يبقى أبرزها من الأغلبية: حزبا “العدالة والتنمية” و”التجمع الوطني للأحرار”. ومن المعارضة: حزبا “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال”.
ورغم أن حزب العدالة والتنمية الذي قاد الائتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين، لم يراكم خلالهما سوى الخيبات، التي أدت إلى تراجع شعبيته وتآكل مصداقية قياداته كما تؤكد ذلك عديد المؤشرات، لإخلاله بوعوده في تحسين ظروف عيش المواطنين وإصلاح منظومتي التعليم والصحة والحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة ومحاربة الفساد والريع. واعتماده سياسات فاشلة، ساهمت في اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء والإضعاف المتزايد للطبقة الوسطى، عبر ضرب القدرة الشرائية، إثر تحرير أسعار المحروقات دون توفير شروط الضبط والمراقبة وحماية المستهلك، رفع الدعم عن عدد من المواد الأساسية بدعوى إصلاح صندوق المقاصة، والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية، كالتقاعد، الإضراب والتشغيل في الوظيفة العمومة…
فإن أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني لم ينفك يتباهى بحصيلة حكومتة الإيجابية، التي يجهل الكثيرون أين تكمن إيجابيتها المزعومة. ويؤكد على أن حزبه مازال بمقدوره التنافس على المرتبة الأولى وقيادة الائتلاف الحكومي لولاية ثالثة دون أن يتأثر كثيرا بتعديل القاسم الانتخابي، الذي لجأ إليه خصومه السياسيون قصد إضعافه، معتبرا أنه جاء لخدمة الوطن والدفاع عن مشروعه الإصلاحي، الذي يحرص على تطويره في كل مرحلة انتخابية جديدة…
بينما يرى “غريمه” وزير الفلاحة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أن حزبه هو الأجدر بقيادة الحكومة المقبلة، لما لديه من تراكم إيجابي وتاريخ سياسي مشرف وكفاءات أبانت في عديد المناسبات عن قدراتها العالية، وأنه لم يأت كما يزعم البعض لتعويض حزب “التراكتور” في الإطاحة بحزب “اللامبة”، وإنما جاء فقط ليلعب الدور الذي يليق به في خدمة المصلحة العليا للوطن وأبنائه، معتمدا في ذلك على ربط الأقوال بالأفعال، وليس ببيع الوهم وتوزيع الوعود الكاذبة…
وفي المقابل هناك قائد حزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي الذي صرح في عدة خرجات إعلامية بأن حزبه وبعد قضائه عشر سنوات في المعارضة، بات يتوفر على إمكانات وحظوظ كبيرة لتصدر نتائج الانتخابات، مراهنا على العمل الجاد والتواصل المثمر مع الشعب. في حين أن نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، يؤمن هو الآخر بأن حزبه قادر على العودة لسابق عهده في احتلال المراتب الأولى، حيث لم يفتأ يشدد على حاجة المغرب إلى حكومة قوية ومنسجمة تتمتع بالمصداقية والدعم الشعبي، ويدعو المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات لتفويت الفرصة على تلك الوجوه القديمة، وتحرير البلاد والعباد من قبضة أولئك الذين أثبتت التجارب فشلهم في إحداث التغيير المنشود….
وبعيدا عما يقتضيه الوضع الوبائي المتدهور من حيطة وحذر، وضرورة التزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية والوقائية، خاصة أثناء الانطلاق الرسمي للحملة الانتخابية، وما أثارته التزكيات من صراعات داخلية أدت إلى ارتفاع نسبة الترحال السياسي وغيره، وعن تهديدات بعض المتهورين بإشعال فتيل الثورة في حال اندحار حزبهم. وبصرف النظر عما إذا كانت انتخابات 16 يونيو 2021 الخاصة بممثلي المأجورين، وانتخابات الغرف المهنية التي جرت يوم الجمعة 6 غشت 2021، عرفت تضويتا عقابيا ضد بعض النقابات والأحزاب، ومدى تأثير ذلك على نتائج الانتخابات المقبلة.
فإن ما يهمنا اليوم هو أن تنتصر الديمقراطية الحقة في انتخاباتنا القادمة التي نريدها نزيهة وشفافة، وأن يتحمل الناخبون مسؤوليتهم التاريخية أمام الله وضمائرهم في التعبير الحر عن إرادتهم بلا أدنى تأثر أو إغراء، حتى يمكن لصناديق الاقتراع أن تفرز لنا نخبا حقيقية من الشخصيات الوطنية والقادرة على رفع تحديات التنمية، التصدي لكل الحملات العدائية الممنهجة والمؤامرات الخسيسة التي تحاك ضد بلدنا ومؤسساته الوطنية، ومواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها تفشي جائحة “كوفيد -19”.