ذكريات لا تبلى …… صديقي و التعليم :
محمد زوكاغ
لي صديق عزيز تخرج قبل سنتين من مركز التكوين،وخلال مناقشتنا في فصل الصيف،كان (يطبخ لي رأسي) بنظريات التعلم،طرق التدريس والمناهج الجديدة،استعمال التكنولوجيات الحديثة في التدريس،انواع البيداغوجيات،كان جد متحمس لخدمة ابناء الشعب،وتلقينهم ماتعلمه خلال مشواره التعليمي،كنت اناقش معه لكن بحذر فصديقي كله حماسة،جاء يوم العمل في شهر شتنبر،صديقي سيذهب الى المؤسسة التي عين بها،سيلتحق باحدى فرعياتها،ستكو ن المفاجأة،استاذين سيدرسان ست مستويات،صديقي سيدرس المستويات:3+4+5+6 عربية وفرنسية،وزميله سيدرس المستويات 1+2،صديقي ستزداد مفاجئته،لا يوجد سكن وظيفي،صديقي اخد هاتفه ليخبر عائلته بهذه المستجدات،تفاجأ بعدم وجود تغطية الهاتف،قيل له عليك ان تصعد ذلك الجبل (المشي لمدة ساعة) وستجد التغطية ان شاء الله،تفاجأبغياب الكهرباء،اذن لافائدة من هاتفه المحمول و المليء بالعدة الديداكتيكية،صديقي سيفتح باب القسم سيتفاجأ،طاولات مهترئة كما لو انها شاهدة على معركة وادي المخازن،سيجلس على كل طاولة ثلاثة تلاميذ،وقام بفعل ما أخبره المدير،حيث قسم التلاميذ الى اربعة مستويات،كل مستوى في صف،في البداية كان بعض التلاميذ ينسون الجلوس في صفهم(المستوى 3) فيجلسون في صف المستوى 4 او 5،استغرق الامر وقتا طويلا حتى يعرف كل مستوى مكانه داخل القسم،صديقي سيتفاجأ عندما يعرف بان من يعرف اللغة العربية من التلاميذ قليل جدا، وهو لا يتقن اللغة الامازيغية،صديقي (ضارت به الدنيا) خرج من القسم وصعد الجبل كي يتصل بأهله لعل في اتصالهم راحة نفسية،وهو يصعد الجبل اكتشف بأن ملابسه العصرية وحذائه الجميل (non compatible) حسب لغة الاعلاميات،تساقطت الثلوج على المنطقة،برد قارس،صوت العواصف وكانه يهز الجبال،امطار غزيرة،طريق مقطوعة،نفد الزاد والمؤنة،مرض صديقي فلم يجد لا طبيبا ولاممرضا،بدأ يتذكر وصفات جدته ويجرب الواحدة تلوى الاخرى،لعل الله (ايجيب التيسير بشي وحدة)،ومن شدة تناوله للتمر والسكريات بسبب نفاد الزاد،اصيبت احدى اضراسه،واصبح يعض بالنواجد على يديه ويضرب الحائط من شدة الالم،فالطريق مازالت مقطوعة،ولايوجد اي حل بالنسبة له،صديقي صبر كثيرا على هذه الوضعية الى ان ذهب الى احد الاسواق الاسبوعية وقام بانتزاعها،صديقي سيتفاجأ من ملابس التلاميذ،فالجو بارد جدا والثلج يعم كل مكان لكن اغلبهم يرتدي ملابس صيفية او ملابس قليلة،لقد رأى العوز والفقر في اقسى تجلياته،اقترب موعد العطلة،صديقي بدأ يتهيأ للسفر فهو لم ير عائلته منذ شهور،بحكم البعد الجغرافي،سيفاجأ صديقي بخبر تعطل السيارة الوحيدة بالمنطقة،نصحه احد الشبان بالذهاب مشيا على الاقدام حتى الوصول الى الطريق المعبدة،وبالفعل ذهب هو وصديقه،وخلال مسيرة امتدت اربع ساعات ونصف مشيا على الاقدام اكتشفا غرائب وعجائب لا تخطر على بال،وصل صديقي الى منزله ،سلم على اهله واصدقائه.حان وقت العشاء،العائلة كلها مجتمعة على مائدة الطعام،فأمه اعدت له مالذ وطاب ،قام الاب بتشغيل التلفاز،انها نشرة الاخبار على القناة الثانية،انهم يأكلون و في نفس الوقت ينصتون لنشرة الاخبار الرئيسية،المذيعة الجميلة والانيقة تعلن بان وزارة التربية الوطنية قامت بمجهودات جبارة من اجل تحسين وضعية المدرسة العمومية بالعالم القروي سواء بالنسبة للتلاميذ او وضعية الاساتذة،واعطى ارقاما جيدة بالمناسبة،ثم عرضت مذيعة الاخبار تقارير والاحصاءات عن اوراش التنمية البشرية وفك العزلة عن العالم القروي،وتم عرض صور تبين كيف غدا العالم القروي جنة وقبلة للسياح،صديقي (وحلت ليه الماكلة) وقالت له امهشرب اولدي،بالشفاء والهنا)،بدأ صديقي يتحقق من الجالسين حول مائدة الطعام،وبدأ يتساءل:هل فعلا هذه عائلتي؟هل فعلا انا في منزلي،هل فعلا انا الان في المغرب؟هل ارسلتني وزارة التربية الوطنية لأدرس تلاميذ مغاربة؟ام اني كنت ادرس تلاميذ دولة ما ، لم يعلموها لنا؟فصديقي تفجأ كتيرا باخبار المذيعة وهي تتحدث عن اخبار منطقة ووضعية مهنة هو شاهد على حقيقتها،اسئلة كتيرة بدأت تتقاطر على صديقي،لم يوقفها سوى امه بقو لهافين سارحتي اولدي؟)،لكن صديقي استدرك قائلا:ربما كل هذه المشاريع وهذ الاحصاءات قد تم انجازها وهو في طريقه الى منزله،فمدة سفره كانت طويلة جدا(اربع ساعات ونصف مشيا على الاقدام+ساعة طاكسي+5ساعات للحافلة+ ساعاتان من الطاكسي+15 دقيقة الى المنزل)،انها مدة كافية لانشاء ولايات متحدة امريكية جديدة لكن بأيادي يابانية،
تذكرني صديقي ،وبعد مدة طويلة،فاتصل بي،وحددنا موعدا في احدى مقاهي وجدة بدرب امباصو،تحدثنا في السياسة والرياضة والصحة و الثقافةو…،وعندما وصلنا ملف التعليم،لاحظت بان صديقي لم يناقشه بتلك الحماسة التي افترقنا عليها منذ مدة،فسألته عن الاسباب،فحكى لي كل شيء،وانا حكيت لكم القليل لان هناك اشياء لا تحكى،فكما يقال:ما كل الحقيقة تقال.
في الاخير قلت له:لقد كنت سأقول لك كلمة فيما قبل،لكن تريتت حتى اقولها لك اليوم:وفعلا قلتها له،هذه الكلمة لن تعرفوها الان لكن انا متاكد بانكم ستعرفونها فيما بعد،واكيد انكم لن تقولوها الا لأصدقائكم الاعزاء…..