الدخول المدرسي بين التخبط والارتجال !
اسماعيل الحلوتي
مرة أخرى وبشكل مباغت ومستفز، تعود وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني إلى سابق عهدها من التخبط والارتجال، إذ قبل ثلاثة أيام فقط من حلول الموعد الجديد للدخول المدرسي برسم السنة الدراسية 2021/2022، سارعت إلى إصدار بلاغ ثان حول إرجاء الانطلاق الفعلي للدراسة إلى يوم الجمعة فاتح أكتوبر 2021، في جميع المؤسسات التعليمية والجامعية ومراكز التكوين المهني ومؤسسات التعليم العتيق بالنسبة للقطاعين العمومي والخصوصي وكذا مدارس البعثات الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن نفس الوزارة التي تعنى بتربية وتعليم بناتنا وأبنائنا صغارا وكبارا، كانت قد قررت في وقت سابق لا يتجاوز أسبوعا واحدا تأجيل التحاق التلاميذ بمدارسهم التعليمية إلى يوم الجمعة 10 شتنبر عوض تاريخ 3 شتنبر 2021 الذي كان مقررا من قبل، بدعوى أن المنحنى التصاعدي لعدد الإصابات بجائحة “كوفيد -19” بات مقلقا ومؤرقا في الآونة الأخيرة، جراء ظهور سلالات جديدة لفيروس كورونا المستجد سريعة الانتشار وشديدة الخطورة، إضافة إلى تباين الحالة الوبائية في مختلف المناطق والأقاليم والجهات.
وكان أن تفهمت الكثير من الأسر في بداية الأمر على مضض مثل هذا التبرير المتعلق بالتأجيل، ظنا منها أن الوزارة الوصية حريصة بالفعل على ما تدعيه من رغبة في توفير الظروف الملائمة، التي تراعي سلامة التلاميذ والأطر التربوية والإدارية والحفاظ على صحتهم، في احترام تام لشروط ومعايير الإجراءات الاحترازية والوقائية المقررة من قبل السلطات المختصة، فضلا عن سعيها الدائم إلى تأمين الحق في التعلم لكافة التلاميذ بمخلف الأسلاك والمستويات الدراسية. لاسيما بعد أن دعت إلى توسيع دائرة الفئات المستهدفة بالتلقيح ضد وباء كورونا، معلنة عن انطلاق عملية تلقيح التلاميذ والطلبة ومتدربي التكوين المهن ابتداء من 16 غشت 2021 بالنسبة للبالغين من العمر 18 سنة فما فوق، ولتشمل الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 12 و17 سنة، ابتداء من يوم الثلاثاء 31 غشت 2021.
بيد أن ما استفز الكثيرين هو أن يتواصل هذا التخبط والارتجال والعشوائية في قطاع حيوي هام، حيث لم يعد هناك من أحد يقبل ونحن في القرن الواحد والعشرين الذي تطورت فيه أساليب التعليم، بأن يتمادى القائمون على الشأن التربوي في هدر الزمن المدرسي، لما يترتب عن ذلك من آثار سلبية محبطة. وكذا في اتخاذ قرارات حاسمة بمثل هذا الشكل من الارتباك دون تخطيط مسبق، اللهم إلا إذا كانت هناك إكراهات فوق طاقتهم من قبيل الحروب والكوارث الطبيعية غير المتوقعة.
وهو ما أثار موجة من السخط والاستياء العارمين، حيث تعالت أصوات الاحتجاج والاستنكار عبر وسائل التواصل الاجتماعي منددة بهكذا قرارات متسرعة، خاصة بالنسبة للأسر التي تدرس أبناءها في مدارس التعليم الخصوصي، ليس فقط لأنها أدت واجبات التسجيل بما فيها شهر شتنبر، بل لأن معظمها كانت تراهن على خضوع أطفالها لنظام تعليمي ملائم، حيث يتم فيه الاحتفاظ بهم إلى حين عودة أحد الأبوين من عمله…
وكما هو ديدن المسؤولين الحكوميين ببلادنا في البحث عن الحلول السهلة كلما وجدوا أنفسهم في ورطة، والتي غالبا ما يؤدي كلفتها المواطنون، ارتأى سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية وبمباركة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أن يتم إعفاء الأسر في التعليم الخصوصي من أداء واجبات شهر شتنبر أو تحويلها لشهر أكتوبر، وتمديد الموسم الدراسي إلى غاية شهر يوليوز 2022، مع تعديل المقرر الوزاري الخاص بتنظيم السنة الدراسية، من خلال إعادة برمجة مواعد العطل والامتحانات المدرسية. لكنه لم يقل لنا كيف ستتعامل مثلا الأسر مع أطفالها الصغار في التعليم الأولي والابتدائي بعد أن برمجت لدخولهم في شهر شتنبر؟ هل تبحث لهم عن مساعدات تتكفلن برعايتهم خلال الفترة التي يتواجد فيها الأبوان بمقرات العمل؟ وكم سيكلفها ذلك ماديا ومعنويا؟ ثم من سيؤدي أجور الأساتذة والمستخدمين لشهر شتنبر في مؤسسات التعليم الخصوصي؟
قد يكون الهدف من تأجيل الدخول المدرسي إلى بداية شهر أكتوبر وكما يدعي بعض المسؤولين، هو حرص الوزارة الوصية على استفادة أكبر عدد ممكن من التلاميذ من اللقاح، لضمان تعليم حضوري وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في القطاعين العمومي والخصوصي، كما في المدن والقرى. لكن السؤال المحير والذي لا يمكن استساغته على الإطلاق، هو لماذا تم إقحام عشرات الآلاف من الأطفال دون سن الثانية عشرة من العمر في التعليم الأولي والابتدائي غير المعنيين بعملية التلقيح، في هذا الإجراء الذي من شأنه حرمانهم من الدراسة ومضاعفة معاناة أسرهم؟ ألم يكن حريا بالوزارة إعفاء هذه الفئة من قرارها الارتجالي، لما له من انعكاسات سلبية؟
إننا وفي ظل ما كشفت عنه جائحة كورونا من اختلالات، وارتباك صارخ لدى مدبري الشأن العام، وأمام ما تعرفه بلادنا من استحقاقات وطنية غير مسبوقة، يحدونا أمل كبير في أن تفرز صناديق الاقتراع مساء يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 نخبا جديدة ذات حس وطني صادق وشعور عميق بالمسؤولية، لتشكيل مجالس جماعية وجهوية في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، وحكومة قوية قادرة على تنزيل النموذج التنموي الجديد، وبالأخص في الشق المتعلق بالمنظومة التعليمية التي تعتبر بحق قاطرة التنمية، حيث تقول الصفحة 93 من تقريره العام: “فبدون تحول عميق للنظام التربوي لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب، على مستوى ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإدماج الترابي”