البحث عن،،جوا المنجل،،
محمد شحلال
تحفل ثقافتنا المغربية الشعبية بكم هائل من الأمثال والحكم البليغة التي لا نستحضرها إلا بعد فوات الأوان في جل الحالات،فنفوت بذلك على أنفسنا فرصة تجنب العديد من مواطن الزلل.
عندما نسمع من يردد بأن فلانا إنما كان يبحث عن،،جوا منجل،،فإن ذلك يعني ببساطة إلحاحه على الخوض في مسألة لن يجني من ورائها إلا الندم والمرارة،وهو ما أكده القرآن الكريم في قوله عز وجل :
(يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم).س.المائدة الآية 101 وما بعدها.
يقول بعض المفسرين بأن الآية نزلت بعد أن سأل أحدهم رسول الله ص. عن طبيعة الحج ،هل يحصل مرة واحدة في العمر أم يجدد كل سنة،فسكت عليه السلام تجنبا لمزيد من الالتزامات،ناهيك عن عواقب كثرة السؤال التي قد تفضي إلى ما لاتحمد عقباه، وهو ما تلامسه الأحداث التاريخية الموالية.
يروي المؤرخون أن بلاط الخليفة العباسي هارون الرشيد،كان يزخر بكل أشكال البذخ ،والمجالس العلمية والسمر ،مما جعل فترة حكم هذا الخليفة فترة متميزة في الخلافة العباسية،حتى سال بشأنها حبر أقلام عديدة.
كان لهارون الرشيد زوجات عديدة وجوار،مما أتاح له أن يستمتع بالحياة باختلاق أجواء المرح، وينجب عدة أبناء وبنات من أمهات مختلفة، وإن كانت زبيدة أم الأمين من ذوات الحظوة لدى الخليفة.
ورغم أن الخليفة قد أوصى بتولي الخلافة بعده ،عبر ترتيب من توقيعه،فإن دسائس القصر،دفعت ابنه المأمون الذي رزقه الخليفة من جارية تدعى،،مراجل،، لاغتيال أخيه الأمين واعتلاء كرسي الحكم بدلا منه، وهو ما أوجع قلب زبيدة التي ظلت تزجي الأيام متألمة.
مر المأمون يوما بمحاذاة زبيدة فتمتمت بكلام لم يفهمه،فطلب منها الإفصاح ورفضت ،فما كان منه إلا أن أصر ليسمع الحقيقة.
عندما لم تجد زبيدة بدا من النزول عند رغبة الخليفة،قالت :
كنت أقول :،،قاتل الله الملاحة،، (بضم الميم )،فسألها عن سر ذلك لتجيب :
كنت أشارك والدك ذات يوم، لعبة فلما فاز،طلب مني القيام بأشياء ففعلت،ثم استأنفنا اللعبة ،فانتصرت عليه ،فما كان مني إلا أن طلبت منه أن يطأ جاريته،،مراجل،،التي ما لبثت أن حملت فأنجبتك، وإذا بك تغتال ابني الأمين !
أسقط في يد المأمون-خليفة أقوى دولة يومئذ-وهو يدرك أنه قدم إلى الحياة نتيجة نزوة عابرة ،ليكون في النهاية ابن جارية فارسية أتاحت لها لعبة،،الحماية،، أن تصبح أم الخليفة الشهير بصاحب ،،دار الحكمة،،.
لقد أصر الخليفة المأمون على إيجاد،،جوا المنجل،، فجنى غصة لازمته مدى الحياة،لذلك نجد القرآن الكريم يحث المؤمنين على تجنب تعميق البحث في أمور غير مفيدة، قد يفضي إلى معرفة حقائق صادمة من قبيل أولئك الذين اكتشفوا أنهم كانوا ثمرة فراش الخيانة.
وبالرغم من أن المنجل لم يظفر بعد ب،،جوا،،يخفي أسنانه،فإن العديد منا ،يصرون على مواصلة البحث ليظفروا بصيد يدمر مزاجهم.