مرحى بالائتلاف الحكومي الثلاثي !
اسماعيل الحلوتي
في سابقة من نوعها وفي ظرف أقل من أسبوعين على تعيين عزيز أخنوش وزير الفلاحة السابق، رئيسا للحكومة من قبل الملك محمد السادس يوم الجمعة 10 شتنبر 2021 طبقا للفصل 47 من الدستور، وتكليفه بتكوين أغلبية حكومية. وعلى عكس ما حذر منه بعض المحللين السياسيين في الاكتفاء بالأحزاب الثلاثة الأولى المتوفرة على أغلبية مريحة، وما يمكن أن يترتب عنه من مخاطر قد تعصف بالتحالف الحكومي وتقود إلى حدوث أزمة سياسية في حالة ما إذا قرر أحد الحزبين المغادرة، مما سيضطر معه رئيسه إلى الاستنجاذ بحزبين أو ثلاثة من المعارضة لمساندته في تكوين تحالف آخر حتى لا يتم إسقاط الحكومة بواسطة ملتمس الرقابة.
أبى عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار المتصدر لنتائج الاستحقاقات الانتخابية الثلاثية التي جرت يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 إلا أن يعلن بشكل رسمي صباح يوم الأربعاء 22 شتنبر 2021 خلال ندوة صحفية بمقر حزبه في الرباط عن تشكيلة ائتلافه الحكومي المكون من حزبه إضافة إلى حزبي الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، في احترام تام للإرادة الشعبية وبعد أن بوأتها صناديق الاقتراع المراتب الثلاث الأولى، ب”102″ مقعدا لحزب “الحمامة”، “86” لحزب “الجرار” و”81″ مقعدا لحزب “الميزان”، وهو ما يشكل أغلبية ب”269” من “395” نائبا برلمانيا.
فبهدوئه المعتاد كلما تناول الكلمة أمام وسائل الإعلام وتحت قبة البرلمان، صرح رئيس الحكومة المعين عزيز أخنوش أنه بفضل من الله والتزام الأحزاب الثلاثة، تمكن من تشكيل أغلبية حكومية في وقت وجيز، حفظا للزمن السياسي واستحضارا لتحديات المرحلة، مؤكدا على أن ائتلافه الحكومي ليس سوى ترجمة حقيقية للإرادة الشعبية، وأنه فضلا عن نجاح أحزاب التحالف في إقناع الناخبات والناخبين، فإن حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال يتقاسمان مع حزبه أشياء كثيرة تاريخيا وحاضرا ومستقبلا، وأن برامجها الانتخابية التي خاضت بها معركة الانتخابات تتقاطع بشكل كبير. ولم يفته التشديد على أنه سيتم التركيز على اقتراح أسماء تتمتع بالكفاءة والمصداقية والأمانة في تحمل مختلف المسؤوليات، والوفاء بالالتزامات والتعهدات، حتى تأتي الحكومة القادمة في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية…
وعقب كلمة رئيس الحكومة المقتضبة والمطمئنة للرأي العام الوطني، أكد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي على أنه إلى جانب ما ينتظر الحكومة المرتقبة من مسؤولية كبيرة، هناك أيضا انتظارات كبيرة وكثيرة للمواطنين، وأنهم سيحرصون على تقديم نموذج لحكومة قوية ومنسجمة، يكون بمقدورها إخراج المغرب من أزماته الاقتصادية والاجتماعية والصحية، متعهدا بالتعامل مع القضايا المطروحة بصدق ونزاهة وجرأة وصراحة ووضوح طوال الولاية التشريعية، متمنيا أن يحالف النجاح الحكومة في بث الأمل ورفع الظلم الاقتصادي والاجتماعي على الكثير من المغاربة…
فيما صرح الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة بدوره، بأن التحالف الحكومي الجديد سيشكل بديلا سياسيا وديقراطيا لقيادة المرحلة القادمة، معربا عن أمله الكبير في أن تنبثق عنه حكومة قوية ومنسجمة، تطبعها روح الإرادة السياسية القوية للتغيير الإيجابي والقطع مع السياسات التي بلغت مداها وصارت غير مجدية، وأن ينعكس الانسجام والتفاهم الحكومي على التدبير الترابي بما يلبي تطلعات السكان في جميع الجهات التي تقاسمت رئاستها الأحزاب الثلاثة. وأشار في ذات الوقت إلى أن التحالف مدعو لبلورة برنامج حكومي إصلاحي جامع، يأخذ بعين الاعتبار التزامات أحزابه في برامجها الانتخابية، لإعادة الثقة في المؤسسات وبناء المستقبل، انطلاقا من توجهات النموذج التنموي الجديد…
وبصرف النظر عما ستأتي به الهندسة الحكومية وعدد الحقائب الوزارية التي سيتم اعتمادها، فإنه بناء على ما ورد على ألسنة الرجال الثلاثة من تعهدات، وما أبدوه من استعداد جيد ورغبة صادقة وقوية في التغيير والإصلاح، يتضح أنهم واعون بجسامة المسؤولية ويشعرون بما يترقبه المغاربة منهم، كالتوزيع العادل للثروة ورفع الظلم الذي لحق بهم خلال العقد الماضي. مما يستلزم ترتيب الأولويات قصد إنعاش الاقتصاد وتحقيق النمو المأمول، وأنه من الواجب علينا نحن المواطنين أن نمنحهم فرصة الاشتغال في هدوء دون تشويش وضغوطات، في انتظار أن يتحقق البديل الواعد والرؤية الواضحة.
ذلك أنه بين تداعيات تفشي جائحة “كوفيد -19” الأليمة، والحاجة الماسة إلى إصلاحات هيكلية ومهيكلة، هناك كذلك ملفات حارقة على طاولة رئيس الحكومة، وفي مقدمتها نظام التعاقد لما يحدثه من اضطرابات متواصلة في سير الدراسة تنعكس بالسلب على فلذات أكبادنا من المتعلمات والمتعلمين، أزمة التشغيل وخاصة في صفوف الشباب من ذوي الشهادات العليا، حيث أفادت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل البطالة ارتفع إلى 12,8 في المائة ما بين الفصل الثاني من 2020 ونفس الفصل من سنة 2021. النهوض بأوضاع منظومتي التعليم والصحة، مراجعة النظام الضريبي لتحقيق العدالة الجبائية وضمان المساواة وتعبئة الموارد الضريبية لتمويل السياسات العمومية.
ولعله من حسن طالع الحكومة الجديدة أن تجد أمامها خارطة الطريق بمباركة ملكية، ممثلة في النموذج التنموي الجديد وصندوق محمد السادس للاستثمار وورش تعميم الحماية الاجتماعية، تضمن لها انطلاقة موفقة. إذ يكفي فقط أن تحرص على الانسجام والتماسك، والعمل منذ البداية على مراجعة مشروع قانون المالية برسم سنة 2022 حتى يكون متوافقا مع رؤيتها وبرنامجها، والتوفر على الإرادة السياسية القوية في محاربة الفساد بمختلف أشكاله، لما له من كلفة باهظة على البلاد والعباد…