بخصوص إسناد المقاعد بجماعة وجدة.. لماذا تبقى مقاعد غير موزعة في بعض الحالات؟
الدكتور بنيونس المرزوقي
سأعالج هذا الموضوع من خلال محورين، محور أول خاص بالإطار العام والقواعد الممكن استنباطها، ومحور ثان خاص بحالة وجدة.
المحور الأول: القواعد العامة المتحكمة في عملية توزيع المقاعد
في العديد من حلقات “ديوان الانتخابات”، والتي لا زالت موجودة على الأنترنيت، كنتُ قد نبهت قبل أي حديث عن اللوائح التشريعية الجهوية، إلى استحالة توزيع كل المقاعد إذا كان القاسم الانتخابي مرتفعا، وقد توجت تلك الدواوين بدراسة أكاديمية مطولة منشورة في العدد الثاني من “مجلة القانون العام والعلوم السياسية”، تحت عنوان “تعديل القاسم الانتخابي وتأثيره على نتائج الاقتراع: دراسة نظرية وتطبيقية لانتخاب أعضاء مجلس النواب” (26 صفحة).
مناسبة هذا الكلام، أن كل المؤشرات كانت تبين آنذاك أن العدد المرتفع من المقاعد المتنافس حولها في أية دائرة ينبغي البحث له عن حل آخر يختلف عما كان مُقترحا. وبخصوص مجلس النواب، بدأ الحديث فعلا عن اللوائح التشريعية الجهوية لأنه كان واضحا أن الهدف ليس هو دعم الجهوية بل استحالة تطبيق القاسم الانتخابي الجديد على اللائحة الوطنية.
إلا هذه القاعدة لا تنطبق على انتخاب أعضاء مجلس النواب فقط، بل على كل الدوائر التي يتم فيها استعمال قاعدة التمثيل النسبي وفق نظام أكبر بقية.
ويٌمكن هنا أن نستحضر في البداية بعض القواعد التي كنت قد اعتمدت إليها لنضيف لها بعض التدقيقات لفهم لماذا هناك “بعض الثغرات” في النظام الانتخابي:
القاعدة الأولى: إن اعتماد التمثيل النسبي اللائحي في دوائر صغيرة، وبعد من المقاعد لا يتجاوز مقعدين أو ثلاثة، يجعل أسلوب الاقتراع أقرب منه للاقتراع الأكثري (الأغلبي) من الاقتراع النسبي اللائحي؛
القاعدة الثانية: كلما كان القاسم الانتخابي مُنخَفضا، كلما تمكنت اللوائح المتنافسة من الحصول على أكثر من مقعد في نفس الدائرة؛
القاعدة الثالثة: إن القاعدة الثانية، لا تتحقق بصفة عامة إلا إذا كان عدد المقاعد المتنافس حولها أكثر من مقعدين أو ثلاثة مقاعد؛
القاعدة الرابعة: كلما كان القاسم الانتخابي مرتفعا، كلما صعُب على اللوائح المتنافسة الحصول على أكثر من مقعد واحد؛
القاعدة الخامسة: إن طريقة رفع القاسم الانتخابي سواء عن طريق احتساب كل الأصوات المدلى بها لاستخراج القاسم الانتخابي بعد إجراء عملية التصويت، أو تحديد هذا القاسم قبل إجراء الانتخابات باستعمال عدد الناخبين المسجلين لاستخراج هذا القاسم، تتطلب نوعا من الحذر.
المحور الثاني: حالة جماعة وجدة
من خلال ما يتم تداوله بخصوص ما وقع عند توزيع المقاعد المخصصة للائحة العامة (الجزء الأول) بالمجلس الجماعي لمدينة وجدة، فإنه يُمكن إيجاد تفسير له وفق القاعدة التالية:
“إذا كان عدد المقاعد التي سيتم توزيعها وفق أكبر بقية (الدور الثاني) أكبر من عدد اللوائح المتنافسة التي لها بقايا (أي أصوات غير مستعملة)، كلما استحال توزيع كل المقاعد”.
وتتحقق هذه الوضعية في حالات عديدة، منها ما وقع بوجدة.
لكن، قبل الغوص في أية تفاصيل ينبغي استحضار بعض الأسئلة التي ليس لدي جواب عنها:
أولا، برنامج إيكسيل (Excell) الذي تم استعماله، هل هو مبادرة من لجنة الإحصاء، أم من مصالح العمالة، أم برنامج معمم من قبل وزارة الداخلية على كل العمالات والأقاليم؟
ثانيا، إذا لم يكن البرنامج موحد على الصعيد الوطني، فمن أعطى التوجيه بخصوص استعمال الأرقام ما وراء الفاصلة: رقمين أو ثلاثة أو أكثر أو حتى الاستغناء عن الفاصلة؟
وللتوضيح سأعطي هنا مثالا بسيطا: كم تساوي 5,6؟
يُمكن أن نستعمل تطبيقا أو برنامجا يُجيب: 5,6 = 5
ويُمكن أن نستحضر أننا نتحدث عن مقاعد سيتم اسنادها إلى كائن بشري حي لا يُمكن تجزيئه، فيكون الجواب هو أن 5,6 = 6… وهكذا
إذن، أنا افترض أن كل لجنة اشتغلت بطريقتها لحل مشاكلها وفق ما هو متوفر أمامها، وأن جماعة وجدة كانت من بين الجماعات التي تبقى فيها مقاعد (ولو مقعد واحد) غير موزعة؟
ماذا وقع بوجدة؟
(ملاحظة: الأرقام مأخوذة من الوثيقة التي تتضمن النتائج النهائية وليس الصورة المتداولة)
أولا: المعطيات
– عدد المسجلين: 267316 ناخبا وناخبة؛
– عدد المصوتين: 49485 (نسبة مشاركة ضعيفة جدا: 18,51%)؛
– الأصوات الملغاة: 12951(عدد مرتفع بالنظر لعدد المصوتين)؛
– عمليا عدد الأصوات المعبر عنها هو: 36534 صوتا.
ثانيا: النتائج وتوزيع المقاعد
طبع لا تهمنا النتائج النهائية هنا، وبالتالي لن نُعالج الجزء المتعلق بالنساء لأنه ليس فيه إشكال، لكن يهمنا فقط الجزء الأول المتعلق بتوزيع 40 مقعدا، والذي نتج عنه مشكل المقعد المتبقى.
ثالثا: الملاحظات
– تم توزيع 39 مقعدا من أصل 40؛
– السب هو تحقق قاعدة: عدد المقاعد المتبقية للتوزيع بقاعدة أكبر بقية (17 مقعدا) أكبر من عدد اللوائح المرشح للاستفادة (16 لائحة)؛
– هذا النوع من المشاكل لا يُمكن تجاوزه إلا بتخفيض القاسم الانتخابي ما دام أنه لا يُمكن التحكم مُسبقا في عدد اللوائح المتنافسة؛
ويترتب عن ذلك أنه طبعا، لو كانت عدد اللوائح المتنافسة أكثر من 16 لائحة ما وقع هذا الإشكال.
أضف لذلك أنه من الناحية الشكلية تم توزيع أشغال لجنة الإحصاء (أو تسريبها) من خلال صورة، يُلاحظ عنها ما يلي:
– أسماء الأحزاب غير مضبوطة، وأحيانا غير مشار إليها (مثلا الحزب الديمقراطي الشعبي بدلا من الحزب الديمقراطي الاجتماعي)؛
– تمت الإشارة إلى الجزء الأول وتم وضع كلمة “رجال” أمامه، والحال أن الأمر يتعلق بلائحة عامة مُشتركة بين الرجال والنساء؛
– تم وضع ملاحظة غريبة جاء فيها: “ويبقى هذا إشكال قانوني لم يؤخذ بعين الاعتبار في القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات”، وهي ملاحظة تتضمن خطأ فادحا إذ لا علاقة لانتخاب أعضاء الجماعات الترابية بهذا القانون بل بالقانون التنظيمي رقم 59.11 كما تم تعديله وتغييره لغاية القانون التنظيمي رقم 21.06 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 21 أبريل 2021.
ومن غرائب النتائج أن تنال لائحة مقعدا بينما كان عدد أصواتها المتبقية هو صوتان (2)!! وهو ما يعني أنه لو كانت هناك لائحة حصلت على صوت واحد لنالت مقعدا!!
الخاتمة:
لا زالت المنظومة الانتخابية محتاجة للمزيد من الدقيق من الناحية التقنية، لأنه لا يكفي أن يكون لك تصور سياسي تبني عليه نمطا للاقتراع، بل أيضا قدرة على موجهة جميع الاحتمالات.
وبهذا الخصوص، فإن تجربة إجراء الانتخابات دفعة واحدة، فرصة لتقييم المنظومة ككل، والبحث عن المزيد من الدقة غي أفق استحقاقات 2030-2031 قبل وصولها بالوقت الكاف
المصدر : موقع الرقيم