هروبا من القمع والبطالة، آلاف الجزائريين بأسرهم يغامرون بركوب قوارب الموت نحو إسبانيا
عبدالقادر كتــرة
بعد غرقه في البطالة والفقر وانسداد الأفاق وفقدانه الأمل في مستقبل يضمن له الكرامة والعيش الكريم وشعوره بالإحباط، عاد الجزائريون من جميع فئات المجتمع مِن شباب وكهول ونساء وحتى أطفال، إلى خيار الهجرة السرية عبر قوارب الموت إلى الشواطئ الأوروبية، أملاً منهم بحياة أفضل بعدما عجزت حكومة النظام العسكري الجزائري عن تحقيق أي من وعودها، ما أفقدهم الأمل مرة أخرى.
وتشهد الجزائر نزوحا منقطع النظير وهجرة سرية كثيفة، قد تعد بالآلاف، عبر قوارب الموت، ظاهرة عادت بقوة بسبب تبخّر أحلام الشباب وتقلّص آفاق التغيير واليأس السياسي والاجتماعي، إضافة إلى التضييق السياسي والإعلامي، حيث قرر الكثير منهم المغامرة مجدداً والسعي إلى الهجرة السرية من خلال مراكب تقليدية، على الرغم من المخاطر الكبيرة، وعادت الأخبار المتعلقة بإحباط محاولات الهجرة أو وصول مهاجرين إلى السواحل الإسبانية والإيطالية تتصدر نشرات الأخبار واهتمامات الجزائريين.
وتداولت العديد من الصفحات عبر منصات التواصل الاجتماعي ، السبت 25 شتنبر 2021، خبر العثور على عدد مِن جثث الحراكة الجزائريين قبالة سواحل ألميريا الإسبانية.
وأكدت صفحة ” Bejaia City” بأن الحرّاكة اللذين تم العثور عليهم كانوا قد انطلاقا على متن قوارب الموت التي غادرت سواحل ولاية وهران الأسبوع الماضي مطالبين أسر المواطنين المفقودين بالاتصال بصفحة ” https://www.facebook.com/frascue1 ” للتعرف عليهم.
وتم العثور على جثث 8 جزائريين صباح الأحد الماضي في مناطق متفرقة من ساحل ألميريا، وفق ما أكده الحرس المدني الإسباني، و من بين الضحايا صبي يبلغ من العمر حوالي أربع سنوات.
ووصل منذ نهاية الأسبوع الماضي 32 قاربًا على متنها 376 شخصًا. ويعتبر مسار الهجرة الذي يربط الجزائر بسواحل ألميريا ومورسيا وأليكانتي وجزر البليار هو الأكثر نشاطًا حاليًا بعد جزر الكناري.
وحتى منتصف غشت الماضي، سجلت المنظمة الدولية للهجرة 81 قتيلًا ومفقودًا على هذا الطريق من إجمالي 425 شخصًا فقدوا أثناء محاولتهم الوصول إلى الشواطئ الإسبانية.
وكشف تقرير حديث لوكالة مراقبة الحدود الأوروبية “فرونتكس” أن 67 بالمائة من الحراكة الواصلين إلى إسبانيا حتى نهاية يوبيوز الماضي عبر البحر المتوسط، هم من جنسية جزائرية.
وفي تفاصيل التقرير المنشور في 12 غشت 2021، أن محور الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط نحو إسبانيا شهد العام الجاري حتى نهاية جويلية، وصول 7040 مهاجر سري (حرّاك) عبر 1380 عملية وصول.
ولفت التقرير إلى أن الحرّاكة الجزائريين شكلوا ثلثي الواصلين إلى سواحل إسبانيا، خلال هذه الفترة، من إجمالي 7040حراق، وبموجب هذه البيانات فعدد الجزائريين الذين وصولوا إسبانيا عبر المتوسط خلال السنة الجارية بلغ 4717 حرّاك.
وحسب الوكالة فإن الحراكة المغاربة جاؤوا في المرتبة الثانية من حيث جنسيات الواصلين إلى إسبانيا، دون تقديم أرقام عنهم، وعزا التقرير هذا العدد الكبير للجزائريين الحراقة نحو إسبانيا، إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي رافقت انتشار جائحة كورونا، ما دفعهم للإبحار بطرق غير نظامية نحو إسبانيا.
وقبل أيام كشفت الشركة الإسبانية عن نشاط لشبكة محلية تتعاون مع جزائريين تقوم بتهريب الحرّاكة إلى إسبانيا عبر القوارب السريعة، وذكر أنها حققت نحو 2.5 مليون أورو (40 مليار سنتيم) جراء هذا النشاط الإجرامي.
أما بخصوص إيطاليا، فإن بيانات وزارة الداخلية الإيطالية تشير إلى وصول أكثر من 500 حراق من الجزائر عبر محور عنابة سردينيا، حتى نهاية جوان الماضي، وهو رقم متراجع مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية.
وخلال الفترة الممتدة من 10 إلى 17 نونمبر الماضي، تمكنت قوات خفر السواحل والدرك من إحباط محاولات هجرة غير شرعية وإنقاذ 290 شخصاً كانوا على متن قوارب مطاطية وقوارب تقليدية الصنع بـ8 محافظات من شرق إلى غرب البلاد مروراً بوسطها.
معطيات رسمية تؤكد وفق الإخصائيين والمراقبين عودة تنامي ظاهرة الهجرة السرية بالجزائر، بالإضافة إلى كونها منطقة عبور مهاجرين غير شرعيين من الساحل والصحراء باتجاه أوروبا، وسط تحرك رسمي لردع هذه الظاهرة التي بدأت تقلق السلطات الجزائرية.
واحتلت الجزائر المرتبة الأولى، إلى حدود نهاية سنة 2020، من حيث عدد المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين الوافدين على إسبانيا هذا العام، فيما يستمر عددهم في الزيادة مقارنة بجنسيات أخرى في إسبانيا، وذلك حسب ما أوردته صحيفة الباييس الإسبانية .
وتوقع تقرير للمفوضية الأوروبية، على المدى المتوسط، أن “يظل ضغط الهجرة الجزائري مرتفعا، بالنظر إلى أن شبكات المرور التي قامت بتعديل أسلوب عملها وتنظيم رحلات مغادرة متزامنة، لتتجاوز قدرات السلطات الجزائرية على الرغم من قيود كوفيد_19″.
وحسب نفس المصدر، فقد “ازداد وصول قوارب الهجرة غير الشرعية إلى مرر الجزائر – إسبانيا منذ غشت 2019 كالمعتاد من كل عام، غير أن هذا الضغط استمر خلال الأشهر الأولى من هذا العام”، مضيفا “كان هناك انخفاض طفيف في ضغط الهجرة من الجزائر في أبريل، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى سوء الأحوال الجوية، ولكن وصول المهاجرين غير الشرعيين تضاعف ثلاث مرات تقريبًا خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر ماي” .
وذكر التقرير أن 46٪ من الواصلين بالقوارب عبر المضيق وبحر البوران – الجناح الغربي للبحر الأبيض المتوسط الذي لا يشمل مسار جزر الكناري – غادروا الجزائر، حيث بقيت النسبة نهاية 2018 و 2019، تمثّل ما بين 5٪ و 10٪ . وإلى غاية 3 ماي 2020 يؤكد التقرير وصول1389 شخصً بشكل غير شرعي إلى إسبانيا قادمين من الجزائر وكانوا جميعًا جزائريين.
وعبرت السلطات الإسبانية عن قلقها لاستمرار هذا التدفق للوافدين عبر هذا الممر، على اعتبار أنه يأتي في سياق انخفضت فيه الهجرة بنسبة 50٪ في عام 2019. ولا تزال تنخفض في عام 2020 بسبب قيود الحدود المفروضة على بلدان المنشأ والعبور للمهاجرين، لكن الجزائريين هم الجنسية الوحيدة التي لا تنخفض بشكل ملحوظ في سجلات الدخول غير الشرعي.
وأشارت صحيفة الباييس نقلا عن التقرير الأوروبي ان “الإحباط السياسي، الذي يؤثر بشكل خاص على جيل الشباب الجزائري ، يضاف إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي زادت ضغوطاته بسبب الوباء، ظروف زادت من تحفيز الجزائريين على الهجرة”.
كما لاحظت السلطات الإسبانية وجود اختراق أمني على الطريق التقليدي، حيث أصبح معظم الجزائريون ينظمون رحلات القوارب بمفردهم، دون الاعتماد على التنظيمات الإجرامية للهجرة، غير أنها تلفت أيضا أن نشاط المافيا تكثّف وتطور بشكل مقلق.
الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، قدم قراءة تفصيلية لتزايد وتيرة الهجرة غير الشرعية من الجزائر باتجاه جنوب أوروبا، أوضح خلالها، في تصريح لـ”العين الإخبارية” أن الأمر يتعلق بـ”أسباب عميقة وموضوعية حاضرة بشكل دائم مرتبطة بواقع المجتمع الجزائري، على عدة مستويات سياسية واقتصادية، وعلى مستوى الشباب والديمغرافي”.
واعتبر أن هناك من الأسباب تعمل على زيادة حدة الظاهرة أو تقلل منها، ومن أبرز الأسباب التي دفعت لزيادة الهجرة السرية بالجزائر مؤخراً ما وصفها الأكاديمي بـ”يأس الشباب الجزائري”.
وقال: “لاحظنا أن الشباب وسط الحراك الشعبي العام الماضي ولم يعد لهم تفكير في مغادرة البلاد، لكن هناك نوع من اليأس اليوم في المجتمع الجزائري”، مشيرا إلى “عدم تحسن ظروفهم المعيشية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وغياب حلول سياسية”.