صورة وذكريات
محمد شحلال
في جولاتي الاعتيادية بمسقط الراس،أجدني منجذبا نحو بعض الأماكن والأشجار التي نسجت معها علاقة وطيدة في أيام الطفولة والشباب.
وهكذا،والى جانب بيت،،عتيق،،لم يبق منه الا واجهة مهترئة،فقد توقفت صباح اليوم عند جذع شجرة بلوط دب الموت في اوصالها،وتجردت من كل أسباب الحياة،في ظاهرة غريبة يعاني منها هذا الشجر المعمر الذي كان من أهم معالم وثروات بلدتنا.
كنت أقضي جل أيام عطل فصل الربيع ابان الفترة الاعدادية والثانوية عند جذع هذه الشجرة خاصة في فصل الربيع.
كانت الطبيعة وفية لعذريتها يومئذ،حيث كان محيط الشجرة يعبق بانواع من أريج الزهور التي تتقاطع مع أصوات العصافير لتشنف الأذن بسنفونيات صادرة عن النبع !
كانت شجرة البلوط هذه توفر لي جلسة وثيرة لأتعلم أبجديات الرومانسية وأنا أهيم في مؤلفات جبران وأشعار ابي ماضي قبل أن اصطدم بأحداث قصة،،لقيطة،،وما كان على شاكلتها من ابداعات ساهمت في بناء شخصية جيل بأكمله.
كان الفرق بيني وبين شخوص القصص والروايات، ينتصب أمام عيني كحاجز يحول دون بلورة رومانسيتي الناشئة: لم يكن الوسط يسمح بنسج علاقات تتجاوز حدود القرابة المقيدة بالطهرانية،لذلك حكم على العديد منا بتأجيل الاستجابة للمشاعر الطبيعية،ولعل في ذلك خيرا كله،فقد قال ابو الطيب المتنبي بأن،،الحب مضيعة للوقت،،!
لقد انحصرت المتعة في التفاعل مع احداث القصص والروايات واعادة سردها على الثقات من الزملاء،لكن الرصيد
المعرفي،كان يزداد ويفسره حسن الأداء في فصول الدراسة.
أعادتني زيارة الشجرة الى الايام الخوالي،لكن مشهدها وهي تتهيأ للسقوط،خلف في نفسي حسرة وألما،فكأن واحدا من أعز معارفي قد حكم عليه بالفناء فجأة كما هو شأن كل الكائنات الحية.
يسود الان جفاف قاتل بالبلدة أدخل الانسان والحيوان في دوامة من المخاوف حتى ان أبرز مظاهرها ،يتجلى في ما يعكسه موت أشجار البلوط الضاربة في القدم؛ولولا احد ثعابين،،بومراية،،الذي باغتته يتربص بجحر الفئران،فمضى منسابا نحو مخبئه،لقلت بأن الأحياء من الحيوانات البرية قد اختفت الى غير رجعة.
ترى،هل بقي في بلدتي شيء يجذب اليها ابناءها المعتزين بالانتماء اليها؟
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.