لطیفة والحاجة فاطمة: قصتین مختلفتین لمعاناة مشترکة ۔
کتبه عبد الجبار بوعزیز
غصة تخنقهم بین الفینة والأخری وهم یتحدثون بمرارة المتشوق إلی رٶیة من کادت سنین الغربة الطویلة أن تطمس معالم صورهم إلا من بعض الملامح التي تختزنها الذاکرة ؛ وبعض الذکریات التي تحولت مع طول الإنتظار إلی کابوس مزعج یعود بهم إلی أیام یصعب استرجاعها ویستحیل نسیانها في ظل أحداث مفتعلة عمقت الجراح وجعلت الممکن مستحیلا ۔
تروي لطیفة قصتها المٶثرة بنبرة تتخللها الدموع وکلها أمل في لقاء قریب یجمعها بعاٸلتها التي غاذرتها دون رجعة بعدما تأزمت العلاقة بین المغرب والجارة الجزاٸر وإصرار النظام الجزاٸري علی قطع کل العلاقات وإغلاق الحدود برغم ما یجمع البلدین الشقیقین من تاریخ طویل في النضال المشترک والعادات والتقالید المتشابهة والمصاهرة ۔۔۔بالإضافة إلی اصرة العقیدة التي تجمعهما والتي تدعو إلی التسامح ونبذ الخلافات ۔
بعد أخذ نفس عمیق تستمر لطیفة في سرد بعض من معاناتها مع إغلاق الحدود وخصوصا بعد وفاة والدتها رحمها الله بالجزاٸر والصعوبات الکبیرة التي أصبحت تجدها في العبور إلی هناک ومعاناتها في ظل الظرفیة الوباٸیة التي أرخت بظلالها علی العالم لتجد نفسها حبیسة أزمة نفسیة متردیة زادت حدتها بعد سماعها نبأ وفاة ابن عمتها الذي لم یتجاوز عقده الثالث علی إثر نوبة قلبیة ؛ وهو الخبر الذي یعتبر غیض من فیض الأخبار المٶلمة التي تلون أیامها بألوان مختلفة ؛ فبالرغم من مواساة الزوج والأبناء و الجیران والصدیقات وبالرغم من تواصلها الداٸم مع أقرباٸها عبر الهاتف ووساٸل التواصل الإجتماعی تقول لطیفة بأن إحساسها بالوحدة والشوق إلی العاٸلة یراودانها کل حین دون سابق إنذار ویزید هذا الإحساس من عزلتها کلما حلت مناسبة من المناسبات سواء کانت سعیدة أو تعیسة ؛ وغیر بعید عن لطیفة وفي نفس المدینة المتواجدة بشرق المغرب التقیت بالشاب عبد الحق الذي رغم اختلاق قصته عن القصة الأولی في الشخصیات والزمان والمکان إلا أن المعاناة واحدة؛ ؛ فعمته الحاجة فاطمة المتواجدة بمدینة بشار الجزاٸریة لم یرها منذ سنوات خلت بعدما عجزت عن إیجاد طریقة تٶمن لها العبور إلی حیث تتواجد العاٸلة نظرا للتکالیف الباهضة إن هي أرادت التوجه عبر الطاٸرة إلی مدینة الدار البیضاء ثم من هناک إلی الشرق رفقة ثلاثة من أبناٸها ؛ هذه الرحلة التي قد تکلفهم مادیا ومعنویا في غیاب حل اخر یخفف عنهم ماهم فیه من لوعة وشوق إلی الأهل والأحباب لتدخل بذلک في دوامة من الحزن المرصع بالحنین إلی أرض الوطن حیث تربت وترعرعت ؛ فبعدما کانت تزور وطنها المغرب کل سنة عبر المعبر الحدودي زوج بغال هاهي قد مرت سنین عدیدة دون أن تطأ قدما الحاجة فاطمة أرض أجدادها لتعیش مکبلة الأحلام تترجی وتتمنی لقاء ربما یکون الأخیر إن کان في العمر بقیة خصوصا وأنها قد تقدمت في السن کثیرا ۔
ما لطیفة والحاجة فاطمة إلا حالتین من بین عشرات الحالات المستعصیة التي تنتظر فرجا یعیدها إلی أحضان العاٸلة ولو بصفة موسمیة ویعید العلاقات بین الجیران إلی ما کانت علیه قبل إغلاق الحدود متجاوزین کل الخلافات التي من شأنها تعطیل رکب التنمیة وتفکیک أواصر الأخوة والصداقة بین الشعبین الشقیقین ۔