أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

سونة

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

شحلال محمد
ارتبط احتفال الأهالي بعيد الأضحى في بلدتنا، بكثير من مظاهر الفرحة والترفيه،حيث كانت الأسر تتحلل من كل أشكال الخلافات امتثالا لأهم مقاصد هذه المناسبة،فتذوب هذه الخلافات أمام أطباق اللحم التي تغتتي فجأة فتنسي في زهد باقي أيام السنة.
كانت الإناث يخلدن اقتراب عيد الأضحى عبر مجموعات،،عارفا،، وما فيها من مكاسب مادية ومعنوية،وكانت هذه الظاهرة مرتبطة ببياض النهار،أما الذكور ومن كل الأعمار،فقد كان عليهم انتظار يوم النحر ليحيوا طقسا احتفاليا ضاربا في القدم،يعرف ب،،سونة،،بينما يعرف في مناطق أخرى من بلادنا ب،،بوجلود،،أو،،هرما،،بتشديد الراء والميم.
كان المهووسون بظاهرة،،سونة،، يشكلون فرقهم قبيل حلول العيد،فيحددون قائمة المشاركين،ويوزعون المهام حسب المهارات والمواهب،ثم يعدون لوازم ،،الإخراج،، عبر مجموعة من الأكسيسوارات المتميزة بغرائبيتها،حيث يعمد أعضاء الفرقة إلى تأثيث مظهرهم بقطع من مخلفات الأضحية بما يضمن التمويه الضروري للإفلات من كشف الهوية.
وهكذا،كان البعض يخفون وجوههم بأجزاء من الجلود والقرون التي تحولهم إلى أشباح بشرية ،تتعزز بتغيير نبرة الأصوات،حتى ليخيل للسامع والمشاهد وكأن جنسا بشريا قد حل بهم فجأة من كوكب آخر.
وإلى جانب غرائبية المظهر،فإن بعض أعضاء فرقة،،سونة،،من الموهوبين ،كانوا يتسلحون بالآلات الموسيقة من مزامير ودفوف، يفعلونها عند الضرورة عبرالانتظام في رقصة فلكلورية ترغم أهل البيوت على الخروج للاستمتاع بلحظات دعة لا تفوت النساء ،اللواتي يسرقن النظرات من خلال كوات الخيمة أو البيوت مستغلات جنح الظلام.
كان أداء الرقصات الفلكلورية المرفقة بمواويل وصيحات الانتشاء ،مجلبة لعائدات أكثر،حيث يستسلم أهل البيوت لرغبات النفس الدفينة في الانعتاق فيجودون بما يطيل من عمر الفرجة.
لم تكن الرقصات وحدها تحظى باهتمام الأهالي،بل كان تقمص بعض أفراد فرقة،،سونة،،لشخصية ،،موشي،،وأتباعه من،، اليهود،، الذين يؤدون دورهم بكثير من السلاسة،يزرع في نفوس المتفرجين متعة وإعجابا لا حدود لهما لا سيما حين تتوسط ،،عزونة،،*دائرة الرقص مرتدية لباسا نسويا يغطي سائر جسدها،وهو الدور الذي يوكل لشخص يتقن تقليد أصوات النساء إلى درجة أن جل الحضور يعتقدون بأنها امرأة حقيقية اقتحمت عالم الرجال.
كانت حركات،،عزونة،،وغنجها يثيران فضول بعض المتفرجين فيبادرون إلى محاولة اختطافها أو كشف هويتها،مما يؤدي إلى تدخل ،،الحراس،،الذين لا يترددون في الانتقال إلى الصرامة التي يتطلبها الموقف خاصة وأن فرقة ،،سونة،،لا تخلو من عدة تحسبا لكل الطوارئء، إذ تتحدث روايات القدماء ،عن معارك مأساوية حصلت في الماضي بين فرق،،سونة،،المتنافسة،حيث يبادر أحد الأطراف إلى استفزاز الآخر فيحتكم المتخاصمون لقوة العضلات التي تنتهي بسلب ،،الغنائم،، وتسجيل هزيمة تاريخية في حق ،،العدو،، قد تتحول إلى رغبة قوية في الثأر ولو تطلب ذلك سنوات من التربص.
لقد ساد في بلدتنا عرف لا يشرف أبناءها من ممارسي طقوس،،سونة،،ألا وهو افتعال الخصومة عند التقاء فرقتين متنافستين، وهو ما جعل بعض الأطراف تختار الدواوير المستهدفة بعناية حتى لا تتحول فرحتها إلى عداوات مجانية، أذكتها الثقافة القبلية التي تشربها بعض الناس على مر العصور ولم تنته مخلفاتها بعد.
وإذا كان بعض الشغوفين بالانخراط في فرق،،سونة،،لا يرومون إلا المتعة والترفيه،فإن البعض الآخر،كانوا يتجشمون عناء قطع مسافات طويلة تحت جنح الظلام الدامس، للظفر ببعض المال وقطع السكر التي تغطي خصاصا عانت منه كثير من الأسر.
كان بعض المغامرين من أفواج،،سونة،، يجوبون مناطق كثيرة،ولا يعودون إلا قبيل شروق الشمس بعد استراحة يقسمون خلالها العائدات،وكان تقسيما ينسجم مع حاجيات كل طرف،حيث يفضل الشباب قطع النقود،ويزهدون في قطع السكر والبيض التي يقبل عليها أرباب الأسر،كما أن،،عزونة،،كانت تحظى ببعض الامتياز ،لقبولها القيام بدور يعرضها للتحرش والاستفزاز،بل إن كشف هويتها،قد يعرض متقمص شخصيتها إلى التندر الدائم .
وإذا كان حلول،،سونة،،بمختلف الدواوير،يجلب معه كثيرا من الفرجة ،خاصة حينما يتزعمها خبراء المجال،فإن مرور هذه الفرق، لم يخل في بعض الأحيان من تداعيات مؤسفة،حيث إن امتناع بعض الأسر عن إكرام،،سونة،،كان يعرضها لسرقة بعض متاعها،بينما كان بعض المندسين فيها إنما يستغلون الفرصة لتحديد الأسر التي لديها ما يستحق السرقة لاحقا، لأن الدواوير ليست مستباحة في الأيام العادية مما يوفر للصوص فرصة ثمينة وهم يرقصون أمام البيوت دون أن كشف هويتهم ليجمعوا أكبر قدر من المعلومات.
يروي كبار السن بأن تقليد،،سونة،،متوارث عبر الأزمنة،وكان تقمص شخصية اليهود فيه حاضرا بقوة،ليظل الصراع الأزلي بيننا وبينهم حيا ،وينعكس في الحوارات التي يتبادلها أعضاء الفرقة الذين لا تخلو أحاديثهم من إشارات تبرز مكر اليهود ،ومظاهر استغفالهم للمسلمين لتحقيق مآربهم.
ومن خلال مشاركات شخصية في جولات،،سونة،،أيام الشباب،فقد اكتشفت وعيا فطريا لدى الأهالي بمخاطر الوجود اليهودي،حيث كان بعض المتقمصين لشخصية ،، موشي،،يعبرون عن فهم متوارث لنوايا اليهود التي لم ينل منها تعايشهم معنا عبر مراحل التاريخ.
تراجع إقبال الناس على ممارسة طقوس،،سونة،،في السنوات الأخيرة،وإن كانت هناك محاولات محتشمة،لكنها لا ترقى إلى ما عايشناه في الماضي،حيث كانت الموهبة والذكاء وخفة الدم، من الشروط التي تضمن نجاح الجولات.
أما اليوم،فإن وفرة وسائل الترفيه،قد جعلت الناس في غنى عن عروض،،سونة،،وإن كان الحنين اليها ما يزال قويا.
وفي ختام هذا النبش،لا يفوتني أن أذكر ببعض الأحداث المثيرة التي ارتبطت بجولات ،،سونة،،خاصة على عهد قائد فترة الاستعمار ببلدتنا،حيث التقت فرقتان أمام منزله وحصل صراع كاد أن يتحول الى ما لاتحمد عقباه لولا أن امراة فاضلة من اهل رجل السلطة، قد تدخلت بحكمة وقدمت عطاء أخرس ألسنة أهل الفتنة،فمرت الأمور بسلام.
* عزونة: اسم يطلق على الشخص الذي يقوم بدور زوجة،،موشي،،التي تذكي حماس الراقصين حينما تتوسطهم وتشرع في التعبير بكل ما تمتلك من مواهب صوتية وايقاع.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock