القضاء على التهريب في الاتجاه المعاكس: ازدهار الأسواق المغربية وتأزم الأسواق الجزائرية… اشتعلت أسعارها وفاقت القدرة الشرائية للمواطن الجزائري
سجلت السنوات الأخيرة القضاء الشبه النهائي على التهريب في الاتجاه المعاكس أي من المغرب إلى الجزائر… منتجات مغربية تفتقدها الأسواق الجزائرية من سكر ساندة وبرقوق وزبيب ولحم غنم وبرتقال وليمون وطماطم وفلفل وبصل وزيتون والتوت الأرضي والفواكه الموسمية ومعلبات السردين والفول السوداني والحلوى والأحذية والملابس التقليدية الوطنية مقابل إعدام تهريب البنزين من الجزائر إلى المغرب عدا الأقراص المهلوسة والأدوية المزورة… فازدهرت الأسواق المغربية وتأزمت الأسواق الجزائرية…
القضاء على التهريب في الاتجاه المعاكس: ازدهار الأسواق المغربية وتأزم الأسواق الجزائرية…
اشتعلت أسعارها وفاقت القدرة الشرائية للمواطن الجزائري
عبدالقادر كتـرة
نشرت مجلة “جون أفريك” تقريرا حول معاناة سكان منطقة الغرب الجزائري التي كانت منتعشة بفضل التهريب، عنونته ب” بسبب توقف تهريب السلع.. أزمة اجتماعية تحاصر سكان الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب: استهلته ب” أدى تشديد الإجراءات على الحدود بين الجزائر والمغرب، إلى أزمة اجتماعية لآلاف السكان الذين كانوا يعتاشون من تجارة التهريب، وباتوا اليوم يبحثون يائسين عن بدائل.
وعلى الرغم من إغلاق الحدود بين الجارتين منذ عام 1994 فقد اعتاد حَرَس الحدود على غض الطرف عن البضائع المهربة، ولكن منذ انتهاء هذا الوضع قبل خمس سنوات أصبح الجميع بلا عمل، الرجال وحتى الحمير، وفق تقرير نشرته مجلة “جون أفريك”.
ويقول تقرير نشرته مجلة “جون أفريك”:” إنّ هذه المنطقة كانت “تسقى بأموال التهريب عبر الحدود التي يعيش فيها الآلاف من السكان المحليين، ومنذ تشديد الإجراءات الحدودية بين الجزائر والمغرب قبل خمس سنوات نتيجة العلاقات المتوترة بين الجارتين باتت المنطقة تعيش وضعا مأساويا”.
ويوضح التقرير أن عشرات الشباب في المنطقة باتوا يعتمدون على مورد رزق بسيط لا يدر سوى مبالغ زهيدة، حيث يبيعون خبزا محلي الصنع مع شيء من حساء الحلزون للعدد القليل من سائقي السيارات العابرين من هناك.
وينقل التقرير عن مسعود، وهو مدرّس متقاعد، قوله “حتى المياه بدأت في النفاد منذ أن تم إغلاق محطة تحلية سوق تلاتا قبل عامين”. ويشير إلى أن المنطقة كانت مزدهرة بطوابير من الانتظار اللامتناهية أمام مضخات البنزين بعد حلول الظلام.
وتؤكد “جون أفريك” أنّ هذه التجارة اجتذبت في وقت ما الجزائريين من مختلف أنحاء البلاد قبل أن تتغير الأوضاع ويجف الوريد؛ حيث أصبحت الحدود محكمة الغلق أكثر فأكثر ونمت الجدران المليئة بالأسلاك الشائكة على كلا الجانبين وتم حفر الخنادق وإغلاق جميع الثغرات وبين عشية وضحاها أمر حرس الحدود بعدم ترك أي شيء يمر.
ويذهب التقرير إلى القول إن “الحمير والرجال وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل ولم يعد بإمكان أصحاب هذه الحمير إطعامها فوجدت هذه الحيوانات البائسة نفسها تتجول على جوانب الطرق تتضور جوعا ومهجورة إن لم يتم بيعها لحدائق الحيوان أو الجزارين عديمي الضمير”، وفق تعبيره.
ويقول التقرير إنه ”منذ إغلاق الحدود قبل خمس سنوات يكافح الجميع في هذه المنطقة الفقيرة والمعزولة حيث لا توجد صناعة منظمة، وكان الطريق هو مصدر الرزق الوحيد للرجال”.
بينما علّق صديقه جيلالي (51 عاما) بمرارة “منذ إغلاق الحدود كان غرب الجزائر بأكمله في طريق مسدود، كان ميتا، لا أستطيع الحصول حتى على ما يكفي لشراء علبة حليب لأطفالي، نحن مثل النمل ننشط فقط في الصيف، أمّا الآن فما علينا إلّا أن ندفن أنفسنا” بحسب تعبيره.
لكن كريم، وهو في الخمسينات من عمره، يؤكد أن الحدود ليست مغلقة تماما بشكل فعلي، فالمخدرات تمر، وعليك فقط دفع الثمن، ويضيف “عندما كان التهريب يغذي المنطقة بأسرها، كان هناك الكثير من المال وكان الجميع سعداء ولكن منذ إغلاق الحدود يبذل الناس قصارى جهدهم بحثًا عن بدائل، اشترى البعض قوارب صغيرة ويتطلعون إلى البحر بينما استثمر البعض الآخر في تربية الدجاج والنحل، أو زراعة الأشجار، الأرض هنا ليست جيدة جدا” وفق تعبيره.
تدهور قيمة الدينار الجزائري وانهيار أسعار البترول
بعد تدهور قيمة العملة الوطنية الجزائرية وانهيار أسعار البترول إلى أدنى مستوياته وعجز النظام الجزائري عن تمويل السوق الجزائرية ولو باستيراد المنتوجات الرديئة، ومحاربة التهريب من الجزائر، عبر تشديد المراقبة على الحدود المغربية الجزائرية، خاصة منها البنزين الذي أصبح سعره أقل من سهر المهرب وتوفر السلع المغربية ذات الجودة العالية بالأسواق وإقامة الفضاءات والأسواق الكبرى مثل “مرجان” و”أسواق السلام” و”أتاكاديو” و”كارفور” و”أسيما” ، انقرضت جلّ السلع المهربة من الجزائر بشكل أوتوماتيكي واختفت من الأسواق المغربية كالدقيق والمشروبات الغازية ومسحوق الحليب…، بل انقلب الوضع وكانت تلك السلع تعرف طريقها من الأسواق المغربية إلى الأسواق الجزائرية حيث شهدت عدة منتوجات فلاحية ونسيجية مغربية طريقها إلى الجزائر وهي منتوجات حيوية لا يمكن الاستغناء عنها ومنها الخضر كالبطاطس والطماطم والبصل والفلفل وحتى الجزر واللفت والقرع…، والفواكه بجميع أنواعها الموسمية كالزيتون والبرتقال والليمون والتفاح والتوت والبطيخ بجميع أنواعه من السويهلة والأصفر والأخضر (الدلاح) والمشمش والخوخ والعنب وحتى الموز والكاكي والكيوي… ، هذا بالإضافة إلى أنواع أخرى من السلع والمنتوجات المغربية من آلاف معلبات السردين والتوابل وقناطر الحناء والفول السوداني ( الكاوكو) ناهيك عن آلاف الأحذية وآلاف القطع من الملابس التقليدية المغربية وسراويل “الدجين” ، وحتى طائر الحسون (مقينين) دون أن ننسى قطعان الأغنام خاصة بمناسبة عيد الأضحى…
النظام لعسكري الجزائري “يعلف” “بوليساريو” بدل ضمان قوت الشعب الجزائري
عاشت الجزائر الشقيقة خلال هذه السنة (2021) والسنة المنصرمة (2020)، على وقع وضع مؤلم وغير مسبوق، حيث تزامنت أحداث مثيرة مع احتفالات الأمة الإسلامية بعيد الأضحى، فاندلعت النيران في غابات البلاد وانقطعت المياه عن كبرى حواضر البلاد وفرغت خزائن البريد من السيولة ولم يجد الموظفون والمتقاعدون رواتبهم في الوكالات، وأصاب محولات الكهرباء عطل فانقطع التيار عن مدن بأكملها وتضررت المستشفيات والمؤسسات العمومية بالأعطاب التقنية…، إضافة إلى صدمات سياسية ودبلوماسية تلقاها النظام العسكري الجزائري بعد قيام القوات المسلحة الملكية المغربية بتطهير معبر الكركرات من قطاع الطرق التابعين ل”بوليساريو” وافتتاح عدد من التمثيليات الدبلوماسية بعاصم لصحراء “العيون” ولؤلؤتها “الداخلة” واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه والاستعداد لفتح تمثيلية دبلوماسية في لؤلؤة الصحراء المغربية “الداخلة” ودعم مجلس التعاون الخليجي بالإجماع في قضية وحدته الترابية، حيث أكد مجلس التعاون في الفقرة 108 على أهمية الشراكة مع المغرب ودعمه أيضا التحرك العسكري في الكركرات من أجل الحفاظ على الحركة التجارية….، وجلب الاستثمارات بملايير الدولارات وإقامة مشاريع ضخمة حولت أقاليمنا الجنوبية إلى جنة يقصدها السياح قبل المستثمرين وذلك بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء..، وتحولت المملكة المغربية الشريف إلى فوة إقليمية بالفعل والقوة..
لم يدخر النظام العسكري جهدا ولا مالا ولا دبلوماسية ولا خططا ولا استراتيجية ولا شراء الذمم من سياسيين ومسؤولين وإعلاميين وقنوات إقليمية ودولية ومنظمات للنيل من استقرار المملكة المغربية الشريفة ووحدتها الترابية منذ أكثر من 50 سنة، واختطف مغاربة صحراويين وحجزهم في مخيمات الذل والعار بتندوف وداوم على المتاجرة بهم…
سلح مرتزقة ومكنهم من المال والعتاد وصرف من عائدات المحروقة من ميزانية الدولة الجزائرية وقوت شعبها أكثر من 500 مليار دولار تضاف إلى سرقة ما يعادلها وتهريبها إلى الخارج…، نتج عن كلّ هذا تفقير الشعب الجزائري وحرمانه من المواد الغذائية الأساسية وحقوقه الأساسية في العيش الكريم من الصحة والشغل والسكن…، افتقد المواطن الجزائري لكيلو بطاطا وكيلو دقيق و”شكارة” حليب من نصف لتر ولتر من الزيت ونصف كيلو من العدس أو الحليب وأدوية بسيطة وجرعة من الأكسيجين ولقاح ضد كورونا…في بلد قال عنها رئيسها:” إنها قوة إقليمية وقوة ضاربة” (في الكذب والشعارات)، والتهبت أسعار اللحوم البيضاء والحمراء والخضر والفواكه.. في ظل انهيار العملة الجزائرية “الدينار” وضعف الأجور والمعاش ، تضاف إلى جفاف السيولة المالية وتراجع أسعار البترول والغاز..
طوابير لامتناهية على المواد الأساسية وارتفاع أسعار الخضر
منذ ذلك الحين، عرفت وتعرف أسعار الخضر والفواكه الطرية والفواكه الجافة والمكسرات بالأسواق الجزائرية ارتفاعا محسوسا ، حسب ما ذكرته أغلب الصحف الجزائرية، حيث يكثر الطلب على هذه المواد التي تستعمل في إعداد أطباق أساسية على موائد الجزائريين في حفلات الأعراس وشهر رمضان والصيف .
وعرفت العديد من المواد الغذائية بالجزائر ارتفاعا صاروخيا حيث تشتكي الكثير من العائلات تدني المستوى المعيشي، وتراجع القدرة الشرائية. ومست الزيادات الحاجيات الضرورية للجزائريين، كالمواد الغذائية العامة، واللحوم، والخضر الفواكه، وفاجأت هذه الزيادات المواطن الجزائري، خصوصاً أن العجائن تمثل وجبة أساسية من الغداء اليومي لشريحة كبيرة من الناس.
ويتشوق غالبية المواطنين الجزائريين لطبق من “السردين” أو “الدجاج” الذين كانا إلى عهد قريب “غذاء الفقراء” في الجزائر لأن أسعاره كانت دوما في متناول معظم الناس، غير أن هذا النوع دخل بدوره في قائمة المأكولات المحظورة على المواطن البسيط وأصبح حكرا على الأغنياء بعد تجاوز ثمن السردين 800 دينار للكيلو (أكثر من 60 درهم) والدجاج أكثر من 600 دينار للكيلو.
وهذا السعر يعني أنّ سمكة واحدة من السردين، ما بين الـ 20 الى 30 دينارا وأكثر (درهم ونصف ودرهمان) والدجاجة أكثر من 1200 دينار، وفي ظلّ الظروف والأوضاع التي يعيشها الجزائريون، بسبب تضرّر الدخل المادي بالنسبة للكثير من العائلات، فانّ السردين باتت حرام على معظم الجزائريين فيما أصبح “لحم” الطبقة الثرية التي في متناولها جميع المواد والمنتوجات الاستهلاكية.
وشهدت أسعار الخضر ارتفاعا مفاجئا خلال الأسبوع الأخير، ليبلغ بعضها أعلى مستوياته منذ بداية السنة، حيث كليو بطاطا التي فقدتها الأسواق 120 دينار (حوالي 12 درهم وهو مبلغ يفوق ثمن كيلو موز في المغرب).
ولم يجد إعلام الجزائر للحديث عن هذه الوضعية إلا الاعتراف بالمعيشة الصعبة للمواطن حيث عنونت إحدى الجرائد المقربة من النظام العسكري الجزائري ب”جزائريون يبيعون أشياءهم الثمينة في أسواق الخردة”، مشيرة إلى سوق باردو بعاصمة الشرق الجزائري بقسنطينة الذي أصبح، في زمن كورونا وبعد مرور أكثر من تسعة أشهر من اجتياحها العالم والجزائر، فضاء تحج إليه الطبقة المحرومة الجديدة التي طفت على السطح من الذين فقدوا أعمالهم فقرّروا أن يبيعوا أشياءهم الغالية على قلوبهم ووجدوا من يشتريها.
غالبية من يبيعون أشياءهم بعد أن أثقلت كاهلهم جائحة كورونا، هم من كبار السن أو من يزيدون عن الستين سنة، وهم في الغالب ليسوا من هواة الفايسبوك، لأجل ذلك لا يعرضون أشياءهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فتراهم يتّبعون الطرق التجارية الكلاسيكية والتقليدية في البيع، ويعودون في الغالب خائبين بسبب ما يقدم لهم من أسعار لأشياء كانت غالية على قلوبهم…
خصاص وحرمان وفقر وطوابير لا منتهية بالجزائر
ألف المواطنون الجزائريون، منذ سنوات، الوقوف في طوابير الانتظار، للظفر بكيس نصف لتر أو لتر زيت أو كيلو عدس أو كيلو حمص أو كيلو بطاطا، و كيلو سميد وقنينة من الماء وجرعة من الأكسيجين أو علبة دواء أو مستلزمات الدراسة للأطفال، قبل طوابير الموظفين والمتقاعدين أمام مكاتب الوكالات البريدية والمصارف الآلية آملين في الحصول على بعض الدنانير…
توفي شخص يبلغ من العمر 75 سنة، كان في طابور بمكتب البريد لحي الكرز وسط مدينة تلمسان وهو يرتقب حصوله على معاشه بعد إصابته بأزمة قلبية أدت إلى وفاته، لتؤكد هذه الحادثة أزمة السيولة المالية التي تشهدها وكالات البريد واحتقان وتذمر زبائن البريد الذين أقدم بعضهم بالبريد المركزي على غلق الطريق العمومي للمطالبة بأجورهم ومعاشاتهم.
وتسببت أزمة نقص السيولة بمكاتب البريد في تشكيل طوابير كبيرة في العديد من الولايات، إلى حد لجوء بعض المواطنين إلى المبيت في العراء أمام مكاتب البريد، رغم إجراءات الحجر الصحي وتعليمات التباعد الاجتماعي للوقاية من وباء فيروس كورونا.
ولجأ بعض الشيوخ إلى المبيت أمام مكاتب البريد وتشكيل طوابير منذ صلاة الفجر يوميا، أملا في تموين مكاتب البريد بالنقود من بنك الجزائر للحصول على مستحقاتهم. استمرار الأمر لعدة أشهر دفع هؤلاء للاحتجاج وغلق الطرقات ومكاتب البريد، مطالبين بتوفير السيولة في أقرب الآجال.
اعتمادا على ما سبق يستنتج أن قفة مملوءة بجميع المواد من الخضر والفواكه لمدة أسبوع لأسرة متوسطة عدد الأفراد قد تتجاوز 10000 دينار أي نصف الحد الأدنى للأجور.
ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لعائدات النفط التي تمثل 98 بالمائة من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، حيث سجلت ، خلال أبريل الماضي، أسعار النفط في العالم انخفاضا حادا، وسط زيادة فائض النفط في السوق، بسبب قلة الطلب العالمي، مع استمرار أزمة جائحة كورونا، رغم أن الأسعار تعافت قليلا لكن تبقى عير مستقرة .