سرقة التراث المغربي متواصلة: محاولة “جزأرة” رقصة أحيدوس المغربية العالمية
عبدالقادر كتــرة
طلب أحد المواقع الإلكترونية الجزائرية متتبعيه وقراءه من الجزائريين مدّه بمعلومات أو تعليقات حول “رقصة وغناء أحيدوس”، في محاولة جزأرتها وإضافتها إلى المسروقات الثقافية والتراثية والتاريخية للمملكة المغربية الشريفة، متحججا بأن “هذ الفضاء مفتوح لحرية التعبير، ولكن بهدف إيجابي… “، مع العلم أن لا توثيقا لهذه الرقصة في الجزائر ولا شرائط ولا فيديوهات ولا علم لأحد بها حتى داخل الجزائر نفسها، خلافا لرقصة أحيدوس في المغرب وعلى الباحث والمتفحص لوسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية أو الكتب التاريخية أو محركات البحث، أن يتأكد بنفسه…، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه وليس للجاهل ما يقدمه…
لقد سبق لكاتب مقال من الجزائر أن نشر بأحد المواقع الإلكترونية المعروفة منشورا حول رقصة أحيدوس بعنوان “الحيدوس رقصة تراثية جزائرية بوشاح روحي”، أن نسبها لمنطقتي النعامة وعين الصفراء بأقصى الجنوب الجزائري حيث جاء فيه : “يحرص سكان الأرياف بمنطقتي النعامة وعين الصفراء على ترويج الرقصة الاستعراضية الشهيرة المسماة الحيدوس بوصف الأخيرة من أبرز صور الفولكلور الشعبي المحلي، ويحرص عرّابو الحيدوس على توريث تراث الحيدوس إلى طلائع الجيل الجديد خوفا على هذا الإرث الصوفي الأبعاد من الضياع والاندثار”.
واستطردا قائلا كما لو كان يصف رقصة أحيدوس المغربية :” يروي جزائريون مخضرمون كيف أنّ الأعراس منذ الزمن القديم كانت عنوانا احتفاليا كبيرا لـ”حضرة الحيدوس”، واشتقت هذه التسمية من أصل اللفظ الأمازيغي “أحيدوس” ويُقصد بها حلقات الرقص المنسجم مع مقاطع الغناء التراثي المحلي الذي تحتفظ به الذاكرة الشفوية، ورقصة “الحيدوس” معروفة أيضا لدى سكان الأرياف بكونها نمط حركي يتداول عليه أي شخص من المتفرجين، ويحق لأي واحد من الحضور أن يستخلف أحد الراقصين، شرط أن يكون على دراية بطريقة التعبير الجسدي واللغوي، وحافظا للقصائد الشعبية المتداولة، ومحترما للإيقاع الريتمي للرقصة”.
و أشار إلى أن “الحيدوس” هو أيضا فن عريق ولون استجمامي مرح يؤدى بل ويتقنه حتى العامة من سكان قصور الواحات الواقعة بسلسلة الأطلس الصحراوي الغربية في الجزائر، ويُلاحظ شيوع رقصة الحيدوس وشعبيتها الجارفة، حيث تبرز كفقرة أساسية في مختلف مراسيم العديد من أفراح الزفاف المنظمة بولايتي النعامة وعين الصفراء.
لكن الباحث الجزائري”علي نابتي” المتخصص في فنون الفلكلور الثقافي الجزائري، يصحح ويذكر “إنّ رقصة الحيدوس الشعبية ذائعة الصيت في المناطق المتاخمة للمملكة المغربية، والعديد من ولايات الجنوب، ويلفت إلى أنّ الأمر ظل راسخا عبر عدة حقب متلاحقة، كما يشير نابتي علي إلى أنّ رقصة الحيدوس تتسم بتنوع طبوعها من منطقة الغرب مرورا بالوسط وحتى بجبال الأوراس والقبائل الصغرى، أين لا يزال هذا اللون الفني ممارسا.”
ويختتم كاتب المقال أن ” رقصة الحيدوس تبقى تراثا شعبيا جزائريا نفيس بقيمته الجمالية والفنية الكبيرة، ويظل بعيون مبدعيه تحفة حقيقية من الفولكلور المحلي العريق، لكنّ قطاع غير محدود يبدون مخاوفهم مما يتهدّد الحيدوس من مخاطر الزوال، لقلة الجهود المبذولة لتجميعه وتدوينه أو إنشاء فرق موسيقية تعمل على إعادة إنتاج النصوص الشعرية لهذا الفن أو تتولى تكوين راقصين شباب في ضروب الحيدوس”.
اخترت مقالا جميلا ورائعا وجامعا ومانعا من بين العشرات من المقالات التي خلّدت للردّ على المدعين بجزائرية رقصة أحيدوس عثرت عليها في التعليق على طلب الموقع الجزائري، تحت عنوان: “أحيدوس هو أحد فنون الغناء الجماعي الاستعراضي للقوميات الأمازيغية بالمملكة المغربية.”:
“ظهر هذا الفن الغنائي في منطقة الأطلس المتوسط منذ عصور خلت. وهو الفن الذي ارتبط منذ بزوغه في الوسط الطبيعي والجغرافي لإنسان الأطلس المتوسط حيث، الغابات والمياه والأغراس والجبال والمنتجعات الغنية بالخضرة والمنابع. وكان هذا الفن الذي ظهر أول ما ظهر في شكله الدائري قوامه النساء والرجال على حد سواء وفي شكله النصف دائري، تعبيرا عن الأفراح والمسرات والفرحات الجماعية التي تواكب إحياء الإنسان لحياته الجبلية والزراعية في سهول وتخوم الأطلس المتوسط. ويعرف أحيدوس عادة بالرقصات والتعابير الجسدية الجماعية التي نجدها في بعض الأحيان حتى في المناطق التي لا تتكلم ساكنتها الأمازيغية، إلا أن الباحثين والمهتمين والدارسين يجمعون على أن موطنه الأصلي هو الأطلس المتوسط, المجال الطبيعي والجغرافي الذي تكتمل فيه العناصر المكونة له من شعر وغناء ورقص وإيقاع. يعتبر البندير (أو الدف) ” تالونت ” الآلة أو الأداة الموسيقية الوحيدة المستعملة في الإيقاع وترافقه بالدق على الأكف أصوات نسائية ورجالية في شكل دائري متماسك قوامه الأكتاف تارة والأيدي تارة أخرى ويصمم لرقصاته وأداءاته رئيس الفرقة أو المقدم في لوحات متناسقة موسيقيا وحركيا.
تستقى أشعار أحيدوس وكلماته من الحياة اليومية التي يحياها ويعيشها الإنسان الأطلسي وتتعدى هذا المجال الجغرافي في بعض الأحيان لتشمل بعض الأحداث الوطنية والجهوية والدولية. يبلغ عدد الفرق المنخرطة في هذا الفن بالمملكة المغربية إلى ما يفوق 80 فرقة يشكل فيه العنصر الشاب العمود الفقري.
ويعتبر موحى الحسين أشيبان المعروف بلقب المايسترو أحد أشعر مؤدي رقصة أحيدوس في المغرب. وكان أول من أطلق لقب المايسترو على موحى الحسين أشيبان هو الرئيس الأمريكي رونالد ويلسون ريجان Ronald Reagan .”
لا بدّ من التذكير بأن فاقدي الهوية والتاريخ والتراث، المولدون حديثا، جاهدون في عمليات السطو والسرقة والتزوير والتلفيق على تاريخ ورجالات وتراث وتقاليد وعادات المملكة المغربية الشريفة الضاربة في عمق التاريخ لأكثر من 20 قرنا، ولم يتركوا شيئا إلا نسبوه لأنفسهم ولو كان موثقا بالصوت والصورة والشرائط وكتب التاريخ والوثائق والمستندات والأثار والحفريات والبنايات والعمران والحجر والشجر والجبال والبحار والأنهار….
على المسؤولين في بلادنا والساهرين على حماية تراثنا وتاريخنا من السرقة وذلك بالتسريع بتحفيظ وترسيم رقصة أحيدوس وأغانيها التي هي من خصائص التقاليد المغربية وعاداتها وتراثها، مثلها مثل شجرة الأركان والتبوريدة وجبل توبقال والكُتُبية ونهر سبو ونهر أبي رقراق ومدن مراكش وفاس ومكانس والرباط وطارق بن زياد وابن بطوطة و…و…