اكتتاب البيجيدي المثير للاستغراب!
اسماعيل الحلوتي
في العدد 6758 من يومية الصباح الصادر يوم الأربعاء 2 مارس 2022، استوقفني كثيرا خبر مثير للاستغراب تحت عنوان: ” اكتتاب ب”بيجيدي” لأداء الديون”، ويكمن وجه الغرابة في كون الخبر يتحدث عما صار إليه حزب “العدالة والتنمية” ذو المرجعية الإسلامية من أزمة مالية خانقة، وهو الذي قاد الحكومة طيلة عقد من الزمن في ولايتين متتاليتين من 2012 إلى 2021، جراء تقلص قيمة دعم الدولة على إثر تراجع نتائجه في الاستحقاقات الانتخابية الثلاثية التي جرت في الثامن من شهر شتنبر 2021، وعرف فيها “المصباح” سقطة مدوية حرقت أوراق كل قيادييه وأجهضت أحلام المراهنين على فوزه من جديد، وهي السقطة التي لم يكن حتى أكبر المتشائمين في الحزب يتكهن بحدوثها.
إذ أن المجلس الأعلى للحسابات طالب قيادة “البيجيدي” في مراسلة خاصة باسترجاع 800 مليون سنتيم إلى وزارة الداخلية، وهي القيمة التي كان الحزب حصل عليها في شكل تسبيق يناهز المليار على أساس عدد الترشيحات التي تقدم بها في الانتخابات السالفة الذكر، حيث لم يتجاوز عدد الفائزين بمقاعد في مجلس النواب سوى 13 عضوا فقط، مقابل 125 عضوا في المجلس السابق. مما يتعين معه بمقتضى القانون المنظم للانتخابات رد المبلغ المذكور للوزارة المعنية.
بيد أنه وبالنظر إلى تعذر الأمر على الحزب في القيام بسداد مجموع المبلغ الذي مازال بذمته، بعد أن تخلف عدد كبير من الوزراء والبرلمانيين ورؤساء المجالس الترابية السابقين عن الانخراط في عملية الاكتتاب لرد الدين، خاصة أن أمينه العام القديم/الجديد ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران عمل على تهميشهم وإبعادهم عن القيادة منذ إعادة انتخابه، معتبرا أنهم من بين أبرز الأسباب التي ساهمت بقسط وافر في انتكاسة الحزب الانتخابية.
إذ بعد أن بدا متحسرا على تلك الأيام الجميلة الماضية التي كان فيها الحزب يحصل على ما بين المليار والمليارين، وجد “القائد” نفسه بغتة مضطرا إلى تنظيم اكتتاب من أجل تسديد الديون العالقة بالحزب. فقام بتوجيه الدعوة إلى كافة المسؤولين به في الجهات والأقاليم من أجل الحفاظ على المقرات المكتراة، والانكباب على إيجاد الوسائل الكفيلة بتمويلها، ولاسيما أن مالية إدارة الحزب باتت عاجزة عن تلبية ذلك، إثر تراجع ميزانيته من 30 مليون درهما إلى ثلاثة ملايين درهم. مشددا على أنه سيكون عليهم جميعا الالتزام بتصفية الديون مع “الداخلية” ولو بالتدريج في شكل دفعات على مدى سنوات. ولإعطاء القدوة وتشجيع باقي الأعضاء على المساهمة، قرر أن يساهم بمبلغ 5 آلاف درهم شهريا من ماله “الخاص”.
وبصرف النظر عن موجة الانتقادات الموجهة من قبل أتباع “القائد” للمتخلفين عن دعم الحزب في محنته، ممن ظلوا على مدى عشر سنوات يستفيدون من التدبير الحكومي أو المؤسسة التشريعية أو المجالس الترابية من وزراء وبرلمانيين ورؤساء المجالس الترابية والمؤسسات العمومية والذين تولوا مناصب عليا.
فإن ما أثار استغراب عدد من المتتبعين للشأن السياسي ممن أتيحت لهم فرصة الاطلاع على الخبر سواء عبر وسائل الإعلام أو مباشرة من لدن بعض أعضاء الحزب، هو أنه لم يمض كثير من الوقت على خروج هذا الأخير من مناصب المسؤولية في الحكومة أو البرلمان بغرفتيه أو المجالس الترابية وغيرها. إذ كيف لا يكون أعضاؤه وهم الأكثر استفادة من تعدد الأجور والتعويضات على مدى عشر سنوات، قادرين على تسوية وضعيته تجاه وزارة الداخلية من خلال تسديد ما بذمته من ديون لا تتجاوز في شموليتها 800 مليون سنتيم؟ ثم هل يعقل أن يقف عاجزا عن أداء مثل هذا المبلغ، إذا ما علمنا أنه شرع منذ سنة فقط في بناء مقر مركزي من النوع الرفيع يراعي المزاوجة بين التصميمات الحديثة والمعمار المغربي الأصيل بكلفة مالية تقدر بحوالي 38,5 مليون درهم؟
ويشار في هذا الصدد إلى أن المشكل لا ينحصر فقط في ما على الحزب تسديده من ديون كما سلف الذكر، فهو يعاني كذلك مما بات يعرفه من انقسام حاد وانتقالات واستقالات بالجملة، وزاد من تعميق جراحه أنه وعلى إثر “سقوطه المدوي” بعد أن هوى من الرتبة الأولى إلى الرتبة الثامنة، صار يعيش على إيقاع أزمة مالية غير مسبوقة، تعود أسبابها أساسا إلى التراجع الحاد في المداخيل على مستوى الموارد الذاتية، بعد فقدانه 112 نائبا برلمانيا كانوا يضخون في ميزانيته مائة مليون سنتيم شهريا، بالإضافة إلى تقلص دعم الدولة بسبب ضعف النتائج المحصل عليها في انتخابات شتنبر 2021، مما أدى إلى تسريح قرابة 160 موظفا من مقراته وموقعه الإلكتروني، كلفت تعويضاتهم ميزانيته مليار و300 مليون سنتيم.
إننا لسنا ضد اكتتاب البيجيدي لأداء ما عليه من ديون، ولكننا ضد انعدام الرؤية الاستشرافية وسوء التخطيط لدى قادته، فما يمر به من ظروف عصيبة ليست بالكل أسوأ مما ترك عليه ملايين المغاربة، بفعل خياراته الفاشلة، تدبيره السيء للشأن العام وما أقدم عليه من قرارات جائرة، قوضت قدرتهم الشرائية وأجهزت على أهم مكتسباتهم الاجتماعية. وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، على أن الناخبين لم يكونوا أبدا على خطأ وهم يصوتون ضده بتلك الكثافة، التي قذفت به خارج مربع السلطة، وجعلته بهذه الصورة الكئيبة التي نرجو الله ألا تدوم طويلا.