الدور الخفي للسيّدة ماريا أنطونيا طروخيو في المصالحة بين المغرب وإسبانيا
د.علي اسليطين علوي
التحول النوعي الذي عرفته العلاقات المغربية الإسبانية بعد إنهاء الخلاف والأزمة الديبلوماسية بين البلدين الجارين، والتي دامت زهاء عام من القطيعة، جعل المملكة المغربية تخطو قدما نحو كسب رهان قضيتنا الوطنية الأولى التي عمرت طويلا واستنزفت الكثير من الجهد والطاقات.. فاعتراف المملكة الإسبانية بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية من خلال اعتبارها أن الحكم الذاتي هو” الخيار الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل قضية الصحراء المغربية” يعد بمثابة رصاصة الرحمة التي اخترقت جسد جارتنا الشرقية ..
فاتفاق مدريد والرباط على بدء مرحلة جديدة من العلاقات تقوم على أساس الاحترام والثقة المتبادلة والتشاور الدائم والتعاون الصريح والمخلص ” بحسب البيان الصادر عن القصر الملكي بالرباط بعد زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للمغرب ومباحثاته مع العاهل المغربي يعد انتصارا غير مسبوق للموقف المغربي، إذ لا يخفى أن هذه المصالحة التي توجت باعتراف تاريخي إسباني بمغربية الصحراء تعد ضربة موجعة لمليشيات المرتزقة وصنيعتها الجزائر، إذ نعرف جميعا أهمية هذا الاعتراف الإسباني الذي جعل الجزائر ونظامها الإرهابي كالديك المترنح من أثر الذبح.
ولأهمية هذا المكسب الدبلوماسي وهذا التحول التاريخي في الموقف الاسباني إزاء قضيتنا الوطنية الأولى لابدّ أن نكشف عن أبرز وجوه ومهندسي الموقف الإسباني الجديد والمتحول إزاء قضيتنا الوطنية . ومن أبرز الوجوه السياسية والدبلوماسية التي عملت في الخفاء من أجل الدفع في اتجاه تبني الخيار المعروض من قبل المملكة المغربية لحلّ مشكل الصحراء المغربية، والمتمثل في خيار الحكم الذاتي، نقف اليوم على الدور الحيوي والمركزي الذي قامت به صديقة وعاشقة المغرب الأولى السيدة ماريا أنطونيا طروخيو، المستشارة التربوية الإسبانية. للوصول إلى هذا الاتفاق، فقد كان لهذه المرأة القوية دور مركزي في إقناع الحكومة الإسبانية بدعم المغرب في قضيته العادلة.
فالسيدة ماريا أنطونيا تكن حبّا غير مشروط للمغرب وتعدّ من أبرز المدافعين عن وحدته الترابية، وهي من أبرز الوجوه السياسية القوية في الحزب الإشتراكي العمالي.. ولها مسار أكاديمي حافل، إذ حصلت على الدكتوراة مع جائزة التفوق والاستحقاق سنة 1993 من جامعة Extramadure لتتولى حينذاك منصب أستاذة القانون الدستوري بهذه الجامعة، ليتم تعيينها ثلاث سنوات بعد ذلك، في المجلس الاقتصادي والاجتماعي لاكسترامادورا. ونظرا لكونها مختصة في مجال اللامركزية فقد عيّنت مندوبة للعلاقات الدولية بجامعتها ورئيسة لمجلس الأساتذة الباحثين، كما تقلدت عدة مناصب سياسية حساسة، بدءا بتعيينها مستشارة في رئاسة مجلس اكسترتمادورا، وانتخابها في مجلس اكسترامادورا في إقليم كاثريس، ثم مستشارة في التجهيز لتتولّى بعد ذلك منصب وزيرة الإسكان في حكومة ثاباطيرو zapatero مابين 2004 و2007، وكان لها الفضل في وضع سياسة قوية للولوج إلى السكن بإسبانيا. وهي الآن مستشارة تربوية بسفارة إسبانيا بالمغرب.
فبحكم معرفتها الكبيرة للمغرب وحبها غير المشروط له، فهي لا تتوانى في الدفاع عن وحدته الوطنية ودعم توجه المملكة المغربية في كسب رهان قضيته العادلة ، فخلال مدة الأزمة التي عجلت بإغلاق الحدود ونشوب توتر غير مسبوق بين البلدين الجارين عملت السيدة أنطونيا كل ما بوسعها من أجل المساهمة في إيجاد الحلول لإنهاء الأزمة، وقد ساهمت في وضع الأرضية التي تم على أساسها التوقيع على اتفاق حلّ الأزمة الدبلوماسية التي كادت أن تؤزم الوضع أكثر بين المغرب وإسبانيا، وهما البلدان الجاران اللذان يربطهما موروث ثقافي وحضاري وتاريخي مشترك، إذ أن إسبانيا هي بوابة المغرب نحو أوروبا، والمغرب هو بوابة إسبانيا نحو افريقيا..
لقد ناضلت السيدة ماريا أنطونيا من أجل الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه ووحدة أراضيه وهذا ليس غريبا ، إذ لها ارتباط تاريخي قديم بالمغرب من جهة الأب، وهي أيضا أرملة المناضل النقابي الاتحادي الراحل نور الدين فاتح .
وأرى أن هذه السيدة تستحق وساما وطنيا نظير ما قامت وتقوم به من أجل المغرب، وكيف لا وقد لمست عن قرب مدى تعلقها بالمغرب وحبها له ، فعند لقائي بها مباشرة بعد خطاب العاهل المغربي في ذكرى ثورة الملك والشعب، السنة الفارطة ، الذي أشار فيه إلى قرب حل الأزمة المفتعلة بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية كانت منتشية كثيرا بهذا الخطاب الذي جعل الآمال كبيرة في حل الأزمة، وعبرت لي عن تقديرها الكبير لهذه الخطوة الملكية الرائعة..
آمل أن يدفع المغرب في اتجاه تعيين هذه السيدة في منصب سفيرة معتمدة بالمغرب لأنها الأجدر بهذا المنصب الحساس نظير كفاءاتها وحنكتها السياسية، وقدرتها على تذويب كل الخلافات العالقة بين البلدين، وبالتالي إعطاء دينامية جديدة ومتطورة للعلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا لمعرفتها الجيدة بالمغرب وسياسته الداخلية والخارجية، واطّلاعها على كل حيثيات وتفاصيل قضيتنا الوطنية الأولى.
إن مواقف صديقة المغرب الأولى السيدة ماريا أنطونيا طروخيو المستشارة التربوية بسفارة إسبانيا عرّضها لحملة تشهيرية مسعورة من قبل المتربصين بها، وذلك من خلال إطلاق الكثير من الإشاعات المغرضة حولها، لذلك أود أن أؤكد مجموعة من الحقائق تنويرا للرأي العام:
1- لم يتم عزل السيدة المستشارة التربوية من منصبها على عكس ما يروج لذلك، وتستمر ولايتها إلى غاية 30 شتنبر 2022.
2- السيدة المستشارة هي من طلبت تغيير وجهتها نحو سويسرا لتتولى مهام تدبير المستشارية التربوية بها نظرا لظروفها الصحية الناتجة عن مضاعفات إصابتها بكوفيد 19 قبل سنة، وكذا لكون هذا المنصب يعتبر ترقية لها على اعتبار طبيعة العمل هناك والراتب الشهري المضاعف.
3- السيدة ماريا حققت إنجازات غير مسبوقة على رأس المستشارية التربوية بالمغرب وهذا حسب اعتراف المدرسين (توجد وثائق مكتوبة تؤكد ذلك) بالمؤسسات الإسبانية بالمغرب (مغاربة وإسبان)، وكذا جمعيات أولياء أمور التلاميذ..
4- حظيت السيدة ماريا بدعم قوي من ذوي الأصول الإسبانية لعملها الجبار في تعزيز حضور اللغة والثقافة الإسبانية وتطوير البحث الأكاديمي في الجامعات.. وقد أسهمت في تطوير مجال التعاون بين البلدين من خلال توقيع عشرات الاتفاقيات مع كل من وزارة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة ووزارة التعليم العالي، وكذا الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
5- تربطها علاقات ممتازة وقوية مع مختلف الهيآت التعليمية والسياسية وكذا المثقفين والفاعلين الجمعويين بالمغرب.
6- والأهم من كل هذا، أنها صديقة وفية ومخلصة للمغرب وتدافع باستماتة عن مصالحه الاستراتيجية، وقد عملت على إنجاح عملية المصالحة التاريخية بين المغرب وإسبانيا واستئناف علاقاتهما الثنائية.
7- تعد السيدة ماريا الدبلوماسية الوحيدة المعتمدة بالمغرب التي خصصت راتبها الشهري المحدد في 10آلاف يورو للتبرع لصالح صندوق كوفيد الذي أحدثه الملك محمد السادس في سياق الجائحة..
خلاصة القول إنّ هذه المرأة العظيمة المدافعة المستميتة عن المغرب وقضيته الوطنية تؤدي ضريبة مواقفها المشرفة التي تجعلنا نفخر لها وندعمها ونآزرها بلا شروط.