أولمبياد باريس والخيبة الكبرى
اسماعيل الحلوتي
حتى أكبر المتشائمين لم يكن يتوقع أن تأتي المشاركة المغربية في “أولمبياد باريس 2024″، التي أقيمت بفرنسا ما بين 26 يوليوز و11 غشت 2024، مخيبة للآمال ودون مستوى تطلعات الجمهور الرياضي المغربي العريض. حيث لم يحصل المغرب سوى على ميدالية ذهبية واحدة للبطل سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع وأخرى نحاسية في كرة القدم، علما أن اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية أعلنت عن مشاركة 60 رياضيا في 19 نوعا رياضيا، أبرزها ألعاب القوى وكرة القدم والملاكمة.
إذ أنه على عكس ما كان المغاربة يمنون به النفس من رؤية علم بلادهم يرفرف عاليا في سماء فرنسا، وأن يتكرر عزف النشيد الوطني في أكثر من رياضة، شهدت “أولمبياد باريس 2024” ظهورا باهتا لكافة الرياضيين الذين اختيروا لتمثيل المملكة المغربية، حيث أنهى معظمهم مشاركتهم في المراكز الأخيرة، مما شكل انتكاسة رياضية كبيرة وخيبة أمل أكبر. فكيف عجز ستون رياضيا عدا سفيان البقالي عن إحراز ميدالية واحدة حتى وإن كانت نحاسية؟ وإلى متى ستستمر هذه البعثات الرياضية في هدر المال العام دون تحقيق المبتغى؟ وما هي دواعي الأداء المحبط وخروج الرياضيين المبكر والمذل؟ وردا على هذه الأسئلة وغيرها يرى عديد المحللين والمهتمين بالشأن الرياضي ببلادنا، أن ما ساهم في هذه الحصيلة الكارثية، يعود بالأساس إلى غياب التخطيط الجيد وضعف الدعم المالي والإداري.
فبصرف النظر عن البطل المتألق سفيان البقالي وما أبان عنه المنتخب الأولمبي في كرة القدم من علو كعب عناصره، الذين استطاعوا بفضل انسجامهم وحبهم الكبير للوطن، تجاوز أعتى المنتخبات المنافسة وبلوغ المربع الذهبي، وأنه لولا سوء الحظ ما كان له أن يتعثر أمام المنتخب الإسباني في دور نصف النهائي، والاكتفاء فقط بالرتبة الثالثة والميدالية النحاسية بعد الفوز الكاسح على المنتخب المصري بنتيجة (6/0)، يتساءل الكثيرون عن أسباب الأداء المحتشم في باقي الرياضات، والتداعيات المحتملة على مستقبل الرياضة المغربية. هل يتعلق الأمر بضعف مستوى تحضيرات البعثة الرياضية قبل المشاركة، أم أن الرياضيين لم يحظوا بالعناية اللازمة ويتلقوا التوجيه الكافي للتنافس القوي؟ وهل هو نقص المنشآت الرياضية الحديثة والتجهيزات الضرورية للرفع من مستوى المشاركين، أم ضعف البنية التحتية وعدم كفاية الدعم المالي، وقلة التداريب والمشاركة في البطولات الدولية؟
وفي سياق هذا الفشل الذريع والمريع، سارع نشطاء كثر إلى المطالبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة ضخ دماء جديدة في مناصب المسؤولية بالجامعات الرياضية الوطنية، وانطلقت بموازاة ذلك حملات رقمية تنادي برحيل الأشخاص الذين ظلوا لعقود قابعين في مناصبهم دون أن يكونوا قادرين على تحقيق الإضافة المرجوة. كما أنه لم يفت عدد من الخبراء الرياضيين التنبيه إلى وجوب سن سياسة رياضية عمومية جديدة، تواكب ما يشهده المغرب من تحولات سريعة، مستنكرين استمرار رصد ميزانيات ضخمة من المال العام لمختلف الألعاب الرياضية، دون أن تحقق المنتظر منها من نتائج إيجابية ترقى إلى مستوى انتظارات الجماهير المغربية.
فأولمبياد باريس 2024 كشفت بوضوح عن واقع رياضتنا الوطنية، إذ أنه باستثناء الميداليتين المشار إليهما، تسير رياضتنا الوطنية عدا كرة القدم في نفق مظلم، ولا يمكن أن نظل نتفرج على استنزاف المال بدون موجب حق، ولاسيما بعد أن بات المسؤولون عن الجامعات الرياضية يشكلون ليس فقط عبئا ثقيلا على ميزانيات الرياضة، بل ويصرون أيضا على استفزاز مشاعر المغاربة والإساءة إلى صورة المغرب، من خلال توالي الخيبات. مما يقتضي تفعيل مقتضيات الدستور من حيث الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتعجيل بإجراء افتحاص عام لمالية هذه الجامعات، وإلا فإن الأمور ستظل على حالها عبر تواصل مسلسل الإخفاقات وتبديد المال العام دون حسيب ولا رقيب.
لقد أصبح لزاما على القائمين على الشأن الرياضي ببلادنا التحلي بالشجاعة الأدبية، والقيام بإعادة النظر في السياسات والاستراتيجيات التي أدت إلى هذا الفشل الكبير في أولمبياد باريس 2024، ومن ثم الانكباب على تطوير الخطط لتجويد الأداء الرياضي والسهر على إنتاج أبطال في مستوى التنافس الأولمبي. وعليهم كذلك أن يحولوا هذه الإخفاقات إلى فرصة لتقييم الوضع الرياضي ببلادنا، وأن يجعلوا منها دافعا أساسيا لانطلاقة جديدة نحو مزيد من الإصلاحات الضرورية، بما في ذلك تحسين البنية التحتية، زيادة الدعم المالي وتوفير برامج رياضية متقدمة للرياضيين.