مِنْ وَحْيِ الْعِيدِ …
ذ.اسماعيل اسلِمي*
سُمِيَّ العيد عيداً لأنه مصدر مشتق من فعل ماض مبنيّ للمجهول”عيد”ليصبح اسماً على زمن معين، ونائب الفاعل هو الإنسان المسلم (على اعتبار أن الفعل متعدّ) يعوده”العيد” مرة في العام ليذكّره بمرور أيامه، وسرعة نفادها حتى يعود إلى الله تعالى: {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم:5] كي يصلح معاده وهو مرجعه الأخير وذلك بأن يغيّر و يجدّد من سلوكه نحو الأفضل و الأكمل بالزيادة و يكثر زاده {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} [اللقرة،:197] بعد أن يراجع ملفات أعوامه البائدة ويحاسب نفسه المتمرّدة حتى تصحّ المعاودة ليواصل مسيرته في العبادة. وأصل العيد العَوْد”و العَوْد أحمد”-كما يقال-لاشتقاقه من العود(بمدّ العين مضمومة) الذي تفوح منه رائحة طيُبة بواسطة الإحراق؛ فكان أن تميّز بغيره من الأيام بالعائدة لاشتقاقها أيضاً منه، والعائدة تدل في اللغة على العطف والمنفعة كما تدل على العفو والفائدة؛ إذ لا تتحقق هذه المزايا النفسية و الاجتماعية إلا في الاتصال بالغير ؛ فالتزاور يشدّ حبل الوصال النفسي بين أفراد العائلة بالعطف، و يميط أذى العلاقات الإنسانية بالعفو ، و يحقق المنفعة الاجتماعية بالتعارف و التآلف ؛ و يوسع دائرة الفائدة المادية بالتعاون و التعاطف .
و لهذا قرن الإسلام عيد الفطر بالزكاة ؛ – بزكاة خاصة- زكاة الفطر، تحقيقاً لنوع من التكافل الاجتماعي بين المسلمين؛ حتى تترسخ عادة البذل والسخاء في نفسية المسلم مع مرور الأيام ” لِكُلِّ امرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا”؛ فقد عدّها الرسولﷺ”- و هي مفروضة – “..طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ..”؛ تلقيحاً ناجعاً مضادّاً للجراثيم الأخلاقية بالنسبة للمتصدِّق ؛ و تطعيماً نافعاً مغذّياً للمتصدَّق عليه كما قرن عيد الأضحى بالصدقة ليتصدق المسلم من أضحيته ما يعبّر عن تضحيته بما يملك من عطف ليدخل السرور باللحم إلى قلوب الفقراء و المحتاجين من المؤمنين تحقيقا للالتحام و الانسجام ؛ فالتعبير عن الأخوّة ليس بالقول فحسب بل حتى بالفعل و الالتزام مثلما يفعل المال أو اللحم بجسم المحتاج بعد صرفها أو هضمها لتتحول دما يسري في العروق؛ يحركه نحو العمل ليساهم في خدمة المجتمع عن رضى و ارتياح مفتخراً بإنسانيته و مقتنعاً بوطنيته بعد شكر الخالق الرازق، والاعتراف بصنيع أخيه المسلم ” مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ، لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ، لَمْ يَشْكُرِ اللهَ. التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ” .
كما ينبغي على المسلم – على سبيل الندب- أن يحيي ليلة العيد بالذكر و التكبير و الدعاء و الاستغفار عن وعي و شعور ليعبّر عن مدى شكره للمولى الكبير أن هداه للإيمان و وفّقه لإكمال عِدّة الصيام بلا نقصان؛ فيبدأ بالتكبير في عيد الفطر السعيد من رؤية الهلال القريب- البعيد حتى يغدو الناس إلى المصلىٰ أو المسجد ثم يصعد الإمام المنبر.
{وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة من الآية:185].
الهوامش :
1-{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ} [سورة إبراهيم؛ الآية 5]
2- ♡وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [سورة البقرة ؛ الآية 197]
3- “لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوَّدا” مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي في مدح فيها سيف الدولة.
4- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ”. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
5- في المسند :
– قَالَ عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ” مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ، لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ، لَمْ يَشْكُرِ اللهَ. التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ،وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ،وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ”
6 -{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة ؛ الآية 185]
* ذ.إسماعيل اسلِمي أستاذ علوم و آداب اللغة العربية والتربية الإسلامية بالمغرب سابقاً.
أستاذ سابق بكلية العلوم الإنسانية بفرنكفورت / ألمانيا