رحيل الرئيس الجزائري السابق ابن مدينة وجدة المغربية عبدالعزيز بوتفليقة صاحب أطول حكم للجزائر
أحد الزعماء والقادة والسياسيين بهوية جزائرية جذوره مغربية وولد وعاش حياته في كنف أسرته في المغرب ودرس في مؤسساته، أحد صنعي تاريخ الجزائر ومفجري ثورتها حتى انتزع استقلالها. هو أحد واضعي أولى لبنات حاضرها ومستقبلها، إلى جانب قادة بعضهم استشهد إبان حرب التحرير وآخرون تقلدوا مناصب هامة في هرم قيادة الدولة الجزائرية، وثلة منهم لا زالت تحتفظ بالزعامة.
كان إلى عهد قريب يزور أقاربه وعائلاته أصحابه بمدينة وجدة وبمدن مغربية أخرى، كما لا زال منزل أسرته صامدا قائما شاهدا بحي ندرومة بوجدة الذي كان حيا جزائريا بامتياز يسكنه اللاجؤون الجزائريون إبان الاستعمار الفرنسي.
عبدالعزيز بوتفليقة الرئيس الجزائري السابق الراحل ولد في وجدة ب عاصمة الجهة الشرقية للمملكة المغربية الشريفة بوابة المغرب العربي وترعرع وتعلم في مؤسساتها الابتدائية والثانوية… ، كان الذراع الأيمن للراحل هواري بومدين ووزير خارجيته آنذاك (1965/1978) ساهم في توتر العلاقات المغربية الجزائرية فيما عمل آخرون على تهدئتها…
رحيل الرئيس الجزائري السابق ابن مدينة وجدة المغربية عبدالعزيز بوتفليقة صاحب أطول حكم للجزائر
عبدالقادر كتــرة
عبرت جميع الشهادات التي استقتها الجريدة بوجدة للذين عايشوا عبدالعزيز بوتفليقة أو أسرته أو أحد أفرادها أو أحد أقاربه، عن استيائهم وغضبهم العميقين من تنكره لمدينته وجدة ومسقط رأسه وإنكاره لميلاده فيها ومتابعة دروسه سواء الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية بمؤسساتها، بل وصل به الجحود إلى التحدث عن مكان ازدياده بمدينة تلمسان الجزائرية، تجنبا أو خوفا من وصفه بانتمائه للمغرب.
ورغم ذلك، تحدث البعض بنوع من العطف والتحفظ حول العلاقات الحميمية المتينة والأخوية التي كانت تربطه به أو تربط أحد أقاربه به وبأسرته، رغم أنهم قليلون اليوم بحكم تقدمهم في السّنّ (أكثر من 70 سنة) ورفضوا الكشف عن هوياتهم، بل منهم من سبق أن تلقى من الرئيس بوتفليقة رسائل شكر جوابية على تهنئته بالفوز بالرسالة، مذيلة بتوقيعه وعبارات “أخوكم عبدالعزيز بوتفليقة”، معبرين في ذات القوت عن صدمتهم لسياسته تجاه المغرب الذي يعتبرونه بلده الأول.
وتحدث البعض الآخر عن عبدالعزيز بوتفليقة بغضب وانفعال قويين، بل كان منهم من يرفضون حتى الحديث عنه، لمعرفتهم به وبتاريخه وتاريخ أسرته وحياتهما بأدق التفاصيل، بسبب تنكره لمدينته وجده وأهله وأحبابه بها وجحوده لهم وسلوكه سياسة عدائية للمغرب رغم ما قدمه من تضحيات بشرية ومادية وعسكرية في سبيل استقلال الجزائر.
رحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة
رحل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، اليوم السبت 18 شتنبر 2021، عن عمر ناهز 84 سنة، حسب ما أعلنت عنه رئاسة الجمهورية الجزائرية في بيان.
الرئيس السابق الذي كان يعاني من تبعات اصابته بجلطة دماغية عام 2013 غادر الحكم بعد ثورة شعبية اندلعت شهر فيفري 2019 رفضا لترشحه لعهدة خامسة، وكان آخر ظهور له يوم تقديم استقالته بتاريخ 2 أفريل 2019 بعد عشرين سنة من الحكم.
ولد عبد العزيز بوتفليقة في 2 مارس 1937 بمدينة وجدة المغربية، والتحق بعد نهاية دراسته الثانوية التي قضاها بوجدة مسقط رأسه بالمملكة المغربية الشريفة بصفوف جيش التحرير الوطني الجزائري وهو في 19 من عمره في عام 1956.
بعد الاستقلال في عام 1962 تقلد العضوية في أول مجلس تأسيسي وطني، ثم تولى وزارة الشباب والرياضة والسياحة وهو في سن الخامسة والعشرين. وفي سنة 1963 عين وزيراً للخارجية. في عام 1964 انتخبه مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني عضوا في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي.
شارك بصفة فعالة في انقلاب 19 يونيو 1965 الذي قاده هواري بومدين على الرئيس أحمد بن بلة وصار لاحقا عضواً لمجلس الثورة تحت رئاسة الرئيس هواري بومدين.
وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين، وبحكم العلاقة الوطيدة التي كانت تربطهما، غادر بوتفليقة الجزائر عام 1981، أتهم بعدة عمليات اختلاس بين سنة 1965 وسنة 1978 وصلت إلى 6 ملايير سنتيم آنذاك، حيث صدر أمر قضائي بتوقيفه حسب (جريدة المجاهد 09 أوت 1983)، وقد أثيرت حينها قضية ارتباطه بالفساد ثم أسدل الستار على تلك القضية.
في 1986 عفى عنه الرئيس الشاذلي بن جديد آنذاك ولم يعد إلى الجزائر إلا في عام 1987، وكان من موقّعي وثيقة الـ 18 التي تلت أحداث 5 أكتوبر 1988، وشارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في عام 1989 وانتخب عضواً للجنة المركزية.
وبعد استقالة الرئيس اليمين زروال انتخب كرئيس للجمهورية عام 1999، ثم أعيد انتخابه لعهدة ثانية وثالثة، وفي نونبر 2012 تجاوز في مدة حكمه مدة حكم الرئيس هواري بومدين ليصبح أطول رؤساء الجزائر حكماً.
وفي 23 فبراير 2014 أعلن وزيره الأول عبد المالك سلال ترشحه لعهدة رئاسية رابعة، وسط جدال حاد في الجزائر حول صحته ومدى قدرته على القيام بمهامه كرئيس دولة.
ترشح لعهدة خامسة وسط جدل كبير في الشارع الجزائري، حيث قابل الشعب ترشحه بالرفض لحالته الصحية في مظاهرات 22 فبراير 2019، ليعلن اسقالته يوم 2 ابريل 2019، حيث تم تعيين رئيس مجلس الامة عبد القادر بن صالح كرئيس دولة بالنيابة من طرف المجلس الدستوري.
الوجدي الصغير عبدالعزيز بوتفليقة
في الثاني من مارس 1937 ، رزق أحمد بوتفليقة مقدم الزاوية الهبرية بمدينة وجدة المغربية، بمولود ذكر سارع إلى شيخ الزاوية حاملا ولده الصغير، من أجل التبرك به، والدعاء له بالحفظ والصون والشأن العظيم. فحمل الشيخ الهبري الولد بيديه ووضعه على حجره وقرأ عليه آيات من القرآن الكريم. رأى عبد العزيز بوتفليقة النور، بالمنزل رقم 6 الكائن بزاوية زنقة ندرومة وطريق مولاي إسماعيل بوجدة بمدينة وجدة والذي ما زال في ملكية عائلة بوتفليقة، ويم ترميمه بهدف تحويله إلى متحف، وهو الحي الذي كان معروفا بساكنته الجزائرية التي هاجرت إلى المغرب إبان الاستعمار الفرنسي كما يشير إلى ذلك اسمه. وهاجر أبوه أحمد بوتفليقة من مدينة تلمسان لأسباب اقتصادية، واستقر بمدينة وجدة بالمملكة المغربية، حيث كان يمارس أنشطة تجارية.
ولد عبدالعزيز بوتفليقة، وسط عائلة جزائرية بسيطة مقيمة بوجدة، من أب لقبه الأصلي بن لزعر عبد القادر وابن الزوجة الثانية لأبيه تدعى منصورية غزلاوي، وله إخوة أشقاء هم عبدالغني، مصطفي، سعيد، عبد الرحيم، لطيفة. أما غير الأشقاء فهم فاطمة، يمينة، عائشة، وهن بنات الزوجة الأولى بلقايد راضية، وأخ يدعى محمد، وكان يشتغل بقسم طب العيون بمستشفى الفارابي بوجدة (موريس لوسطو سابقا)، ولا زالت ابنة أخته تعيش لحد الآن بمدينة وجدة،. وكانا يقطنان بزنقة محمد الريفي بوجدة ( أين كان يقطن كاتب هذا المقال حيث كنا ونحن صغار نشير دائما إلى المنزل ب”دار بنتفليقة”).
يحكي أحد الأشخاص من أصدقاء الصغر الذين عاشروه أنه كان ذكيا ومهذبا وكان يقضي معظم وقته مع ثلاثة او أربعة من أصدقائه الذين لازموه صبيا ومراهقا واحتفظوا بعلاقاتهم معه إلى زمن قريب. وكان ملجؤهم إحدى الضيعات (جنان بضياف) غير بعيد عن منزل الأسرة أين توجد الآن قيسارية بالقرب من سوق مليلية عن بداية شارع علال الفاسي بوجدة، أين كانت والدة أصدقائه تهديهم خبزا بالبيض، قبل أن يطلقوا العنان للعرب والركض والعدو داخل الضعية.
حفظ الصغير عبدالعزيز القرآن بكتاتيب وجدة، وعلى يدي والده الذي دأب على تعليمه الخطوات الأولى للقراءة، انضم إلى فرقة المسرح بالمدرسة وشارك في قطعة مسرحية ”تحرير حرّ من طرف عبد”، تعلم بوتفليقة منذ نعومة أظافره الصلاة وعمل على مراعاتها، يقول مقربون منه أن أول كتاب قرأه هو المصحف الشريف، الذي حفظه منذ الصغر، تعلم ركوب الخيل والرماية والسباحة، وترعرع في الزاوية القادرية بوجدة.
تابع عبدالعزيز دراسته الابتدائية بمدرسة “مولاي الحسن” بحي ندرومة في وجدة (التي تم هدمها قبل سنوات وسط المدينة الألفية وإقامة بدلها مرآب ضخم للسيارات) وحصل على شهادة الدروس الابتدائية في سنة 1948، ثم الإعدادية بثانوية عبدالمومن وأنهاها بثانوية عمر بن عبدالعزيز أين أحرز على شهادة الباكالوريا.
يتذكر أحد الذين عايشوا زمانه أن والده كان صديقا حميما للمسمى “بوسيف” صاحب حمام بحي ندرومة والذي ما زال قائما ويحمل نفس الاسم إلى يومنا هذا، وكان يلازمه بل من الشهادات ما تفيد أنه كان يؤتمن على الصندوق ويستخلص واجبات الحمام من المستحمين في الوقت الذي كانت تقوم زوجته والدة عبدالعزي بنفس المهمة بنفس الحمام مع المستحمات.
وكان هذا الشخص “بوسيف” رئيسا لرابطة الجزائريين بوجدة وكان مقربا من السلطات الاستعمارية الفرنسية حيث كانت مهمته استقطاب الجزائريين والوجديين لدعم الفرنسيين، الأمر الذي كلفه ذلك غاليا حيث حكم عليه المجاهدون الجزائريون، بسبب هذه العلاقات والوظيفة، بالإعدام وتم اغتياله.
قرر الشاب اليافع عبدالعزيز بوتفليقة ، حسب شهادة بعض الوجديين الطاعنين في السن، الالتحاق بالمقاومة الجزائرية وجيش التحرير واتصل بالإخوان بوعرفة الذين كانت لهم علاقة بخلايا المجاهدين الجزائريين، ومكنوه من الانخراط في عمل المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي .
انخرط عبدالعزيز في صفوف جيش التحرير في سنة 1956 وهو في سن 19، والالتحاق بدارالكبداني معقل جبهة التحرير بدار الكبداني بإقليم الناظور حيث تلقى تكوينه العسكري.
الشاب الأنيق والمخاطب اللبق
يشهد الجميع لعبد العزيز بوتفليقة بأناقته في الملبس ولباقته في الحديث وأخلاقه في المعاملة وحسن السلوك. ويقول أحد معارفه أن ذلك موروث عن أسرته وعائلته والجزائريين المقيمين بفرنسا واتصالهم وتواصله بالفرنسين القاطنين بمدينة وجدة إبان الاستعمار.
كان عبدالعزيز مهذبا لكن لم يكن تلميذا عبقريا ونابغة في دراسته بل كان متوسطا حسب المعدلات المحصل عليها وملاحظات الأساتذة في أوراق النقط، لكن كان يتميز بالمواظبة والسلوك، ولم يتمكن من متابعة الدراسات الجامعية.
لم يكن يكثر من الأصحاب والأصدقاء المغاربة الحميميين، وكان له ثلاثة أو أربعة، لازمهم منذ الصغر ورافقهم في مراهقته واحتفظ بعلاقاته معهم في فترة شبابه واقتسم معهم لعب وشغب الأطفال وأرغفة الخبز والبيض في منازلهم وفي ضيعاتهم التي كانت تحيط بالمدينة القديمة وكانوا يلتجؤون لها كلما سنحت لهم الفرصة لاستغلال أوقات فراغهم والتحدث عن أسرارهم.
لم يحتفظ بعلاقات مع زملائه في الدراسة سواء الإعدادية منها أو الثانوية أو مع أساتذته كما لم يثبت حسب الشهادات أنه دخل في صراع أو مشادات كلامية يوما ما مع أي كان.
مقاوم وأصغر وزير للخارجية… ورئيسا للجزائر
تقلد الشاب عبدالعزيز بوتفليقة منصب مراقب ثم ضابط للولاية الخامسة بالمغرب أولاهما سنة 1957، الثانية سنة 1958، ثم ألحق، على التوالي، بهيئة قيادة العمليات العسكرية بالغرب، و بعدها، بهيئة قيادة الأركان بالغرب ثم لدى هيئة قيادة الأركان العامة، حيث عرف بتواضعه وإخلاصه، قيل أيضا أنه منذ الصغر كان يتمتع بحس سياسي وحكمة رزينة، يحب الاستماع ويتقن فن الإنصات والتركيز مع محدثيه.
وفي سنة 1960، تم إيفاده إلى حدود البلاد الجنوبية لقيادة ” جبهة المالي” ،ومن ثمة أصبح الرائد عبد العزيز بوتفليقة يعرف باسم ”عبد القادر المالي” إلى الحدود الجنوبية لقيادة جبهة المالي، التي جاء إنشاؤها في إطار التدابير التي كانت الغاية منها إحباط مساعي الاستعمار الذي كان يسعى لتقسيم البلاد.
وبالولاية الخامسة، تعرف بوتفليقة على الرئيس الراحل هواري بومدين، وأعجب كل منهما بالآخر، فتكونت بينهما صداقة دامت إلى غاية استقلال الجزائر، ثم بعدها إلى غاية وفاة الرئيس هواري بومدين…
في عام 1961، انتقل عبد العزيز بوتفليقة سريا إلى فرنسا ، وذلك في إطار مهمة الاتصال بزعماء الثورة التاريخيين المعتقلين بمدينة (أولنوا، وفي 1962، تقلد عبد العزيز بوتفليقة العضوية في أول مجلس تأسيسي وطني، ثم ولي، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وزيرا للشباب والسياحة في أول حكومة جزائرية بعد الإستقلال. وفي سنة 1963، تقلد العضوية في المجلس التشريعي قبل أن يعين وزيرا للخارجية في نفس السنة.
وبعد الاستقلال، تقلد بوتفليقة منصب نائب في أول مجلس تأسيسي وطني، ثم ولي وهو في 25 من عمره وزيرا للشباب والرياضة والسياحة ضمن أول حكومة للجزائر المستقلة، أما في سنة 1963 تقلد العضوية في المجلس التشريعي، ثم عين في السنة نفسها وزيرا للشؤون الخارجية، وفي مؤتمر الجزائر لجبهة التحرير الوطني سنة 1964 انتخب عضوا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، وقد ساهم بوتفليقة في التصحيح الثوري الذي تأسس إبانه مجلس الثورة، حيث أصبح عضوا فيه تحت رئاسة الرئيس الراحل هواري بومدين..
ترأس بوتفليقة الدورة الاستثنائية السادسة لهيئة الأمم المتحدة المخصصة للطاقة والموارد الأولية التي كانت الجزائر من بين البلدان التي عملت على عقدها، وفي 27 دجنبر 1978 وبالتحديد على الساعة الثالثة و 55 دقيقة فقد بوتفليقة الرفيق الصديق الراحل هواري بومدين.. وبعد وفاة بومدين، دجنبر 1978، أبعد بوتفليقة عن الحكم وأصبح في ذات السنة الهدف الرئيسي لسياسة “محو آثار الرئيس هواري بومدين” ، حيث اضطر إلى الهجرة إلى بلدان المشرق والتواري عن الأنظار لمدة 20 سنة…
عاد في يناير سنة 1987، خلال أوج الأزمة الجزائرية، وعقب أحداث أكتوبر 1988 كان واحدا من موقعي لائحة الثمانية عشر… استدعي للمؤتمر الاستثنائي لجبهة التحرير سنة 1989 وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب..، ثم اعتذر عن قبول عرض منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة، ومنصب ممثل دائم لدى الأمم المتحدة.
وبعد ذلك، وبالضبط في سنة 1994 اعتذر بوتفليقة عن عرض يخص تعيينه رئيسا للدولة في إطار الفترة الانتقالية، ليعلن سنة 1998 عن نيته لدخول المنافسة الانتخابية مرشحا حرا للانتخابات الرئاسية المسبقة المحدد إجراؤها خلال شهر أبريل 1999 ليتسلم مقاليد الحكم من الرئيس اليامين زروال في27 أبريل 1999 ليصبح بصفة رسمية رئيسا للجزائر…
وجدة حضنه وحضن أسرته ومرقد والده وأخواله
احتفظ عبدالعزيز بوتفليقة بعلاقاته مع بعض أصدقاء صباه وشبابه سواء بزيارتهم أو برسائل مكتوبة أو باستطلاع أخبارهم كما كان احد أشقائه سعيد يزور وجدة من حين لآخر ويلتقي بهم إذا زاروا الجزائر خاصة مدن المنطقة الغربية من الجزائر بوهران أو تلمسان لكن مع مرّ الزمان فترت العلاقات وتقطع التواصل سواء بسبب بعد المسافة وقلة التنقل والترحال أو انقطاع الأخبار من الجهتين.
كانت آخر مرة يزور فيها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مدينته الأم وجدة، كانت بتاريخ 31 أكتوبر 1989، حيث قطع صحبة أمه مركز “زوج بغال” الحدودي، وتردد على العديد من الأماكن، التي ارتبطت بذاكرة طفولته ومراهقته بمسقط رأسه، وأحيى صلة الرحم مع العديد من أصدقائه وجيرانه وأقربائه، قبل أم يكمل الرحلة رفقة والدته نحو حامة مولاي يعقوب.
لم تغادر والدة بوتفليقة منصورية غزلاوي مدينة وجدة، التي كانت مشرفة على تسيير بها “حمام بوسيف” بحي ندرومة في وجدة، إلا بعد استقلال الجزائر في سنة 1963، وانتقلت إلى رحمة الله، عن عمر يفوق 90 سنة، ليلة يوم الأحد 12 رجب 1430 الموافق 05 يوليو 2009 بمقر سكنها بالأبيار بالعاصمة الجزائرية بعد معاناة طويلة مع المرض.
والدة الرئيس الجزائري أوصت قبل وفاتها بدفنها بمقبرة سيد المختار بوجدة، بجوار زوجها أحمد الذي يقال إنه دفين المقبرة المذكورة، بعد وفاته بوجدة سنة 1958، وباقي أخواتها وأقربائها، كان ابنها عبدالعزيز على وشك تنفيذ وصيتها، لكن تدخل الأطراف المقربة منه، وخصوصا مستشاره وشقيقه في آن واحد سعيد بوتفليقة، نصحه بالعدول عن ذلك، لاعتبارات سياسية محضة، وأضافت المصادر المذكورة، أن المغرب عبر عن استعداده الكامل وترحيبه التام، لاستقبال جثة والدة الرئيس الجزائري، وعبورها الحدود البرية للبلدين الشقيقين.
كان عبدالعزيز بوتفليقة يحب المأكولات التقليدية، خاصة المأكولات التي تعرف بها مدينة تلمسان، ويأكل وحده، وكان كلما زار وجدة، يقيم له أفراد عائلة والمقربين لها أطباق “المعقودة”، وهي خليط من البطاطس والتوابل..
رغم كلّ ما قال ورغم كلّ ما فعل ورغم كلّ ما صرح به تجاه المغرب وتجاه رجالاته، احتفظ عبدالعزيز بوتفليقة الطفل والشاب والرجل ببذرة من مغربيته، بحكم أن بلده الأول هو المغرب ومسقط رأسه وجدة مدينة زيري بن عطية المدينة الألفية بوابة المغرب العربي، مدينته الأولى التي ترعرع فيها وتلقى أولى مبادئ التربية والتعليم وتشبع بمبادئ المقاومة والجهاد.
انطلق من هذه المدينة المكافحة التي كانت تحتضن “جماعة وجدة” التي حكم بعض قادتها الجزائر بدءا من الرئيس الراحل أحمد بنبلة ذي الأصول المغربية والرئيس الراحل هواري بومدين الذي قاد الانقلاب ضد سابقه، ومن بعدهم الرئيس الراحل المغتال محمد بوضياف ابن مدينة القنيطرة، ثم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
“أشعر بنوع من العطف وكثير من الغضب نحو هذا الرجل الذي تغير كثيرا وتنكر لمدينته وأصدقائه، وادعى يوما في قاعة غاصة في الجزائر بأنه ولد في تلمسان تجنبا لاتهامه بأصوله المغربية واحتفاظه بعلاقته مع المغاربة أبناء مدينته وجدة.. ، كما تتجنب بعض الوثائق والكتابات الجزائري وحتى في الموقع الرئاسي ذكر مكان ولادته” يقول أحد أقرانه بوجدة، ويضيف الشاهد أنه على يقين أن عبدالعزيز الطفل والشاب الوجدي يقبع داخل أعماق عبد العزيز الرجل والرئيس الجزائري السابق بأن مدينة وجدة أين توفي فيها والده ودفن بمقبرة سيد المختار وأوصت والدته بدفنها فيها بجوار والده.
للتذكير فقط: عاش رئيسا وسقط مخلوعا وعاش معزولا ورحل مقهورا
مر عامان ونصف، مند يوم الخميس 2 أبريل 2019، على تنحي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة عن السلطة تحت ضغط الحراك الشعبي الذي انتفض معارضة لولايته الخامسة وقيادات الجيش بزعامة قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح. وعاش بوتفليقة منذ سنة في عزلة تامة في منزله قرب العاصمة، محاطا بشقيقته.
بعد الإطاحة به من السلطة تحت ضغط الشارع والجيش، عاش الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة وحيدا في عزلة تامة في منزله المجهز بمعدات طبية في بلدة زرالدة الساحلية التي تبعد نحو 40 كيلومترا جنوب غرب الجزائر العاصمة.
ولم يظهر بوتفليقة للعيان منذ أن أجبره الشارع والجيش على الاستقالة إلا للمرة الأخيرة على شاشة التلفزيون ليعلن استقالته، بعد أن حاول التمسك بالسلطة إلى آخر دقيقة.
منذ 2013، لم يغادر الرئيس المستقيل الذي بلغ 84 عاما منزله في زرالدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، إلا نادرا، وكان “يعيش هناك محاطا بشقيقته وفريق طبي، مُقعداً على كرسيه المتحرك، علما أنه غير قادر على الكلام بسبب مرضه.
ولم يمنع وضعه ولم يشفع له مرضه، بعض المثقفين والأكاديميين من المطالبة بتطبيق العدالة مقابل الفساد الذي نهش الجزائر خلال 20 سنة من رئاسته.
ومنذ تقاعده الإجباري، فتح القضاء الجزائري عددا كبيرا من التحقيقات في قضايا فساد وأدان وسجن سياسيين سابقين ورجال أعمال مؤثرين اتهموا باستغلال روابطهم المميزة ببوتفليقة وعائلته.
في المقابل، يقبع في السجن شقيق الرئيس السابق سعيد بوتفليقة، الذي كان مستشاره الأول إلى حد اعتبر “الرئيس الثاني” مع تدهور صحة عبد العزيز.
واعتقل سعيد بوتفليقة في مايو 2019 وحكم عليه بالسجن 15 سنة في شتنبر 2019 بتهمة التآمر ضد الجيش وسلطة الدولة. وتم تأكيد الحكم عند الاستئناف في فبراير 2019.
واتهم الراحل الفريق قايد صالح سعيد بوتفليقة بالتآمر مع رئيس المخابرات السابق الفريق المتقاعد محمـد مدين (المعروف باسم “الجنرال توفيق”) وخليفته عثمان طرطاق، من أجل عزله من قيادة الجيش بهدف حماية أخيه، الل\ين وضعها في السجن وحكم عليهما قبل إطلاق سراحهما من طرف رئيس الأركان الجديد السعيد شنقريحة بعد اغتيال قايد صالح واستولى على منصبه.